المقدمة الرابعة
قال «محمد بن زكرياء» : «لما ثبت بالدليل : أن العالم محدث ، وثبت : أن الابتداء بخلق العالم لا يليق بحكمة الله [تعالى (١)] وجب أن يكون المبتدئ بإحداث العالم فاعلا جاهلا ، وذلك هو النفس. وتقريره : أن النفس كانت غافلة عن الهيولى من الأزل إلى الأبد ، ثم اتفق لها التفات إلى الهيولى ، واعتقدت أنها إذا اختلطت بالهيولى قدرت على استيفاء اللذات ، فحصل للنفس عشق طبيعي غريزي على هذه الهيولى ، وهذا العشق لا شك في حصوله. ألا ترى أن عشق كل نفس على جسده عشق كامل تام ، لا يمكن حصول عشق أكمل منه ، فلما حصل للنفس ذلك الالتفات الاتفاقي ، والإدراك الغيبي ، وتفرع على حصول ذلك الالتفات حصول هذا [العشق (٢)] الغريزي ، لا جرم تعلقت النفس بالهيولى ، وحصل من تركيبهما : الحيواني (٣). وعلم الإله الحكيم أن ذلك التعلق سبب لفتح باب الآفات والشرور والمضار ، وبسبب أن الهيولى لا يقبل التركيب المحكم المتقن ، الخالي عن جميع جهات المضار. إلا أن البارئ [تعالى (٤)] كما علم ذلك ، علم أيضا : أنه لا يمكن منع النفس عن
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط).
(٣) أي الغضب والشهوة.
(٤) من (ط).