الفصل الثامن
في
الكلام على التناسخ
اعلم : أن القوم زعموا : أن هذه الآلام الموجودة في هذا العالم ، إنما حصلت بتخليق [الله تعالى (١)] وثبت : أنه رحيم ناظر لعباده ، فوجب أن يقال : إن هذه الآلام عقوبات أوصلها الله إليهم ، جزاء على ذنوب صدرت منهم ، قبل ذلك. ولما [رأينا (٢)] أنه لم يصدر عنهم الذنوب ، حال كونهم في هذه الأبدان ، علمنا : أن هذه الأرواح كانت في أبدان أخرى. فأقدموا على الذنوب هناك ، فاستوجبوا العذاب عليها ، فنقلت تلك الأرواح إلى هذه الأبدان ، وأوصلت هذه الآلام إليها ، عقوبة على تلك الجنايات.
فإذا قيل لهم : يقتضي أنهم أقدموا على المعصية في تلك الأبدان السابقة. والإقدام على المعصية مشروط بسبق التكليف ، والتكليف أضرار. فهذا يقتضي أن الإله الحكيم أوصل الضرر إليهم ابتداء. فإن جاز ذلك ، فلم لا يجوز أن يقال : إنه تعالى يوصل المضار إليها في هذه الحياة ، من غير سبق هذه الأمور التي تذكرونها ، وإن لم يجز هذا فقد فسد قولكم؟
فعند هذا انقسم القائلون بالتناسخ إلى قسمين :
__________________
(١) من (ت).
(٢) من (ط).