الفصل التاسع
في
حكاية مذهب القائلين بالأعواض
اعلم : أن المعتزلة لما اعتقدوا جريان حكم تحسين العقل وتقبيحه في أفعال الله وفي أحكامه. قالوا : إنا نشاهد حصول هذه الآلام في العباد. والعقل حكم بأن إيصالها إلى الحيوان من غير سبب : قبيح. وهذا يقتضي امتناع صدوره عن الإله الرحيم الحكيم. فحسنها إما أن يكون للجناية السابقة ، على ما هو قول أصحاب التناسخ. وقد ثبت بطلانه. فوجب أن يكون حسنها لأجل [أن الإله (١)] الحكيم الرحيم ، يعطي أعواضا وافية جابرة لجهات مضارها.
ثم المحققون منهم قالوا : لا بدّ من العوض ، لتخرج هذه المضار عن كونها [ظلما. ولا بد من الاعتبار لتخرج هذه المضار عن كونها (٢)] عبثا. فإنه لو استأجر رجل [رجلا (٣)] على نزح ماء البحر ، وصبه في الجانب الآخر ، بمقدار من الأجرة ، ولم يكن في ذلك العمل شيء من المنافع والمصالح ، فذلك العمل يخرج عن كونه ظلما. إلا أنه يكون عبثا ، ويكون فاعله سفيها. فلهذا قالوا : هذه الآلام إنما تحصل (٤) لمجموع الأمرين : العوض والاعتبار. فإذا قيل
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط ، ت).
(٣) من (م).
(٤) تحسين (م ، ت)