تأثيرها في تقدير المدة ، وإنما تقدرت المدة بالحركة الفلكية لا بسائر الحركات ، لأنها أسرع الحركات وأبعدها عن الاختلافات ، فلا جرم جعلت هذه الحركة مقدرة للمدة. إذا عرفت هذا فنقول : يتفرع على ما ذكرناه فرعان :
الأول : إن الزمان والحركة يقدر كل واحد منهما بالآخر ، لكن لا من وجه آخر بل [بحسب وجهين (١)] مختلفين : وذلك لأن الزمان ظرف ، والحركة مظروف ، ويجوز تقدر كل واحد منهما بالآخر ، فتارة يقال : هذا المكيل خمسة أمناء ، وذلك إذا عرفت أولا : أن ذلك الكيل لا يحتمل إلا خمسة أمناء ، وأخرى يقال : هذا الكيل لا يحتمل إلا خمسة أمناء ، إذا عرفت أن هذا المكيل خمسة أمناء ، فكذا هاهنا. تارة يقال : هذا الزمان زمان غلوة ، وذلك إذا كان قدر الزمان مجهولا وكان قدر الحركة معلوما [وتارة يقال مسيرة ساعة ، وذلك إذا كان الزمان معلوما ، وكان قدر الحركة مجهولا] (٢).
الفرع الثاني : من الناس من جعل المدة (٣) اسما لجوهر هذا الموجود ، وأما الزمان فإنه جعله اسما للمدة المتقدرة بالحركة ، والذي حمله على هذا القول ما ورد في كلام المتقدمين أن المدة والدهر لا أول له ، ثم قالوا : الزمان محدث. فلما أراد هذا القائل إزالة التناقض قال المدة والدهر (٤) اسمان لذات هذا الشيء (٥) وجوهره ، وهي قديمة. وأما الزمان فهو اسم للمدة حال كونها متقدرة بالحركة ، ولما كانت الحركة حادثة كان كون المدة متقدرة بها حادثا ، فحينئذ صح قولهم : الزمان محدث وله أول.
واللفظ الثالث :
الوقت : وهو الجزء المفرد الذي عرف امتيازه عن غيره بسبب حدوث حادث ، معين معلوم الوقوع. كقولك : آتيك وقت طلوع هلال شوال. فالمدة
__________________
(١) باعتبار (م ، ت).
(٢) باعتبار (م ، ت).
(٣) من (س).
(٤) جعل اسم المدة (ت).
(٥) هذا الجوهر بجوهره (س).