والصفات المتلاحقة. وهاهنا هذا الفضاء أمر واقف لا يتغير ولا يتبدل البتة. ثم إنه تتوارد عليه الأجسام ، وهذا الفضاء يقبلها ، فكأن هذا الفضاء مشابها للهيولى من هذا الوجه ، فلا جرم سموا هذا الفضاء بالهيولى بحسب هذا التأويل. وإنما سموه بالصورة ، وذلك لأن الجوهر الجسماني إنما امتاز عن الجواهر المجردة العقلية لأجل كونه قابلا لهذه الأبعاد الثلاثة ، فهذه الأبعاد [الثلاثة (١)] هي كالجزء الصوري لماهية الجسم. فلما كان هذا الفضاء عبارة عن هذه الأبعاد المجردة الواقعة سموه بالصورة. بحسب هذا التأويل. فهذا هو التفسير الصحيح لما نقل عن أفلاطون ، أنه كان تارة يقول : المكان هو الهيولى ، وتارة كان يقول : المكان هو الصورة.
ثم إن جماعة ممن أرادوا تقبيح قوله في أعين الناس ، نقلوا عنه : أنه يقول : المكان عبارة عن الهيولى أو عن الصورة ، ثم أخذوا يحتجون على إبطاله بأن الجسم إذا انتقل من مكان إلى مكان ، فهو إنما انتقل بمجموع أجزائه التي هي الهيولى والصورة ، فكيف يمكن [أن يقال (٢)] المكان هو الهيولى والصورة؟ إلا أنه على الوجه الذي لخصناه ، ظهر أنه إنما أطلق اسم الهيولى تارة ، واسم الصورة أخرى على المكان. بناء على التأويل الذي شرحناه ، والتفسير الذي لخصناه [فأما إجراء الكلام الذي قصد به الرمز على ظاهره ، ثم الاشتغال بالطعن فيه ، فذلك مما لا يليق بالعقلاء الكاملين] (٣) وبالجملة : فقد ظهر بالبيان الذي لخصناه : أن القول المعتبر في حقيقة المكان هو أنه إما الفضاء ، وإما السطح.
أما القائلون بأن المكان هو الفضاء [والخلاء (٤)] فهم فرقان : أحدهما
__________________
(١) من (س).
(٢) مع ذلك أن يكون (م).
(٣) فأما الكلام الذي قصد به الرمز والألغاز إذا أجرى على ظاهرة ، ثم اشتغل بنقضه وإبطاله كان ذلك بعيدا عن انصاف المنصفين ، وتحقيق المحققين (ط ، س).
(٤) سقط (ط ، س).