وتحت ليس عدما محضا ، لأنه ليس جعل الفوقية عبارة عن عدم التحتية ، أولى من العكس. فإن جعلنا كل واحد منهما عدما للآخر ، مع أن كل واحد منهما في نفسه عدم ، كان كل واحد منهما عدما للعدم ، فيكون كل واحد منهما أمرا موجودا [وإن جعلنا كل واحد منهما وصفا موجودا (١)] فحينئذ يلزم أن تكون هذه الأحياز الموصوفة بهذه الصفات الموجودة [موجودة (٢)] لامتناع قيام الصفة الموجودة بالنفي المحض والعدم الصرف. فهذه الدلائل وأمثالها دلائل ظاهرة جلية في إثبات أن هذه الأحياز لا بد وأن تكون موجودة.
وأجاب المتكلمون فقالوا : هذه الأحياز أمور يفرضها الذهن ، ويقدرها العقل ، ويحكم بكون الأجسام حاصلة فيها [ونافذة فيها (٣)] وأما في [الوجود الخارجي (٤)] فلا وجود لها البتة. والذي يدل على أنه لا وجود لها البتة : أنها لو كانت موجودة ، لكانت إما أن يكون وجودها وجودا مشارا إليه [أو غير مشار إليه (٥)] والقسمان باطلان فبطل القول بكونها موجودة.
إنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون موجودا مشارا إليه. لأن كل ما كان موجودا مشارا إليه ، فإما أن يكون كذلك بالاستقلال أو بالتبعية. فإن كان [موجودا مشارا إليه بالاستقلال فذلك (٦)] هو الجسم ، فحينئذ (٧) يكون الشيء المسمى بالحيز جسما. لكن كل جسم فهو محتاج إلى حيز آخر ، فيلزم افتقار كل جسم إلى جسم آخر ، لا إلى نهاية ، وهو محال. وأيضا : فهذا الجسم الذي سميناه بالحيز ، إذا حصل فيه جسم آخر ، فهذا الحصول إما أن يكون مفسرا بأن أحد الجسمين يماس (٨) الآخر ، أو يكون مفسرا بأنه ينفذ فيه ويسري فيه.
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) سقط (ط).
(٣) سقط (م).
(٤) الخارج (س).
(٥) سقط (م).
(٦) الأول (س ، ط).
(٧) فحينئذ يلزم أن يكون هذا الحيز جسما لكن كل جسم فهو محتاج ... الخ (ت).
(٨) يباين (س).