تقتضي أن تكون مسبوقة بالغير ، والأزلي [ماهيته (١)] تنافي المسبوقية بالغير ، والجمع بينهما محال ، فكان الجمع بين حقيقة الزمان ، وبين حقيقة الأزلية (٢) محالا (٣).
وأما بيان أن بتقدير تسليمه. فالمقصود حاصل. فتقريره : أن القديم هو المستمر أزلا وأبدا ، وكما أن الحدث يوهم إثبات زمانين متعاقبين ، حصل في أولهما عدم الشيء ، وفي ثانيهما وجوده ، فكذلك القديم يوهم وجود زمان مستمر من الأزل إلى الأبد ، حصل فيه ذلك القديم ، ولو حكمنا على الزمان بالقدم ، لأوهم ذلك الحكم وقوع ذلك الزمان في زمان آخر ، فإن كان هذا الوهم كاذبا ، فليكن مثل هذا الوهم كاذبا أيضا في جانب الحدوث ، فإنه لا فرق في العقل بين البابين ، وحينئذ يرجع حاصل الكلام إلى أن كون الشيء مستمرا ، وكونه متغيرا ـ وإن كان يوهم وجود زمان يكون ظرفا ووعاء لذلك الاستمرار تارة ، ولذلك التغير أخرى ـ إلا أن ذلك الوهم فاسد ، وذلك الخيال باطل ، وذلك يوجب القطع بنفي الزمان. وهو المطلوب.
الحجة الرابعة : إنا كما نعلم بالضرورة : أن الحادث الأمسي متقدم على الحادث اليومي ، فكذلك نعلم بالضرورة أن الأمس متقدم على اليوم ، تقدما. ولا يمكن أن يوجد المتقدم مع المتأخر ، فإن كان هذا النوع من التقدم يحوج إلى وجود ظرفي ووعاء ، لأجله يحصل هذا التقدم ، وهذا التأخر ، فليكن لهذا الظرف ظرف آخر ، ولهذا الوعاء ، وعاء آخر ، إلى غير النهاية. وإن كان لا يحوج البتة ، فليكن الأمر كذلك في سائر الحوادث.
لا يقال : هب أنه يلزمنا إثبات أزمنة لا نهاية لها ، يحيط بعضها بالبعض. فلم قلتم : إن ذلك محال؟ لأنا نقول : فعلى هذا التقدير لا يكون اليوم الحاضر يوما واحدا ، بل أياما غير متناهية يحيط بعضها بالبعض ويكون
__________________
(١) سقط (ط).
(٢) الأزل (س).
(٣) محالا ممتنعا (ت).