موجودا. ثم نقول : إما أن يقال : إنهما في هذه الحالة صارا متحدين ، أو ليس الأمر كذلك. والأول باطل ، لأنهما حال الاتحاد ، إن كانا موجودين فهما اثنان لا واحد. وإن عدما وحدث شيء ثالث ، فلم يكن هذا اتحادا ، بل عدما للأولين ، وحدوثا للثالث. وإن بقي أحدهما وعدم الثاني ، فالاتحاد هاهنا أيضا محال. لأن المعدوم والموجود لا يكونان شيئا واحدا. ولما بطل القول بالاتحاد ، ثبت أن كل واحد من ذينك البعدين ، أعني بعد المتمكن وبعد المكان ، يكون باقيا حال ذلك النفود. فصح ما ذكرنا : أنه لو كان المكان بعدا ، لزم من حصول المتمكن في المكان تداخل البعدين.
وأما بيان المقام الثاني وهو أن القول بتداخل البعدين محال. فقد احتجوا عليه بوجوه خمسة :
الوجه الأول : قالوا : إذا كان البعدان موجودين فهما أزيد من البعد الواحد ، وكل ما هو أزيد من الواحد ، فهو أعظم ، فذلك المجموع أعظم من الواحد ، فيلزم أن يكون مجموع البعدين [المتداخلين أعظم من الواحد ، لكن ليس الأمر كذلك ، لأن مجموع هذين البعدين (١)] ليس إلا الذي بين النهايات ، وذلك هو بعينه قدر كل واحد منهما ، فليس المجموع أعظم من الواحد. هذا خلف.
ولقائل أن يقول : هل تزعمون أن القول بتداخل البعدين معلوم الامتناع بالبديهة ، أو تزعمون أنه لا يعلم امتناع ذلك إلا بالدليل؟ فإن كان الحق هو الأول ، فاتركوا ذكر هذه الدلائل ، واقتصروا على ادعاء البديهة ويرجع حاصل هذا الكلام إلى ادعاء أن مذهب القائلين بأن المكان هو البعد ، مذهب معلوم البطلان ببديهة العقل ، ومعلوم أن ذلك باطل. لأن المعلومات البديهية لا يجوز وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء. وأيضا : فالقائلون بالبعد ، يقولون : مذهبنا معلوم الصحة ببديهة العقل ، وذلك لأنا نعلم بالضرورة أن بين طرفي الطاس
__________________
(١) سقط (ط) ، (س).