فنقول : إن قولنا : إن ذينك الجسمين صارا جسما واحدا ، إنما يصح القول به إذا اعتقدنا أن مادة كل جسم (١) صارت ملاقية بالأثير (٢) لمادة الجسم الآخر ، وزال التباين بينهما. وذلك يدل على أن المادة ليست علة لامتناع التلاقي بالأثير. وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : المقتضي لامتناع التداخل هو البعد مع المادة. فهذا أيضا باطل. لأنا بينا أنه لا [يجوز أن (٣)] يكون للمادة أثر في هذا الباب.
ولما بطل هذا ثبت أن المقتضى لهذا الامتناع ليس إلا طبيعة البعد. وذلك يوجب القول بأن الأبعاد متمانعة من التداخل لمجرد أنها أبعاد. وذلك هو المطلوب.
ولقائل أن يقول : هذه الحجة أيضا ضعيفة من وجهين :
الأول : إنكم إنما علمتم امتناع التداخل في هذه الأجسام الكثيفة. فنقول : الأجسام بأسرها متساوية في طبيعة البعد والامتداد ، ومتباينة في الرقة والكثافة. وما به المشاركة غير ما به المباينة. فكثافتها أمر زائد على طبيعة البعد والمقدار. إذا ثبت هذا فنقول : لم لا يجوز أن يقال : المانع من المداخلة ومن النقود ومن التلاقي بالأثير ، هو كونها كثيفة. وإذا كان كذلك، فالبعد المسمى بالفضاء المحض ليس فيه شيء من الكثافة أصلا ، فلا جرم لم يكن النفوذ فيه ممتنعا؟
وحاصل الكلام : بأن التقسيم الذي ذكرتم. وهو أن المانع من المداخلة. إما المادة أو البعد أو مجموعها : تقسيم منتشر غير منحصر في النفي والإثبات. فلم يلزم من بطلان بعضها أن يكون الباقي صحيحا ، بل لعل الصحيح قسم ثالث غير ما ذكروه وهو الكثافة التي ذكرناها؟ ثم نقول : الذي يدل على أن تعليل هذا الامتناع بالكثافة غير مستبعد. هو أنا نشاهد أن الجسم
__________________
(١) جسم (م).
(٢) بالأسر (م) ويمكن نطقها الأثير في (س).
(٣) سقط (ط).