الوجه أحسن الوجوه التي يمكن ذكرها في هذا الباب.
ولقائل أن يقول : السؤال على هذا الدليل من وجوه (١) :
الأول : لا نسلم أن الأبعاد متساوية في تمام الماهية ، وما الدليل عليه؟ وتقريره (٢) : أن الفضاء الذي ندعي كونه مكانا للجسم ، أمر يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه ، والجسم (٣) أيضا أمر يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه ، فطبيعة الفضاء وطبائع الجسم يشتركان [في كون كل واحد منهما قابلا (٤)] لفرض الأبعاد الثلاثة فيه ، لكن قابلية فرض الأبعاد الثلاثة لازم من [لوازم هذه الماهية (٥)] وحكم من أحكامها ، والاشتراك في اللوازم والأحكام لا يدل على الاشتراك في ماهيات الملزومات. لما ثبت أن الأشياء المختلفة في تمام الماهية ، لا يمتنع اشتراكها في بعض اللوازم. وإذا ثبت هذا فنقول : هب أن طبيعة الفضاء الذي ادعينا أنه هو المكان ، وطبيعة الجسم الذي ادعينا أنه هو المتمكن ، يتشاركان في كونهما قابلين لفرض الأبعاد الثلاثة ، لكن لا يلزم من هذا القدر استواؤهما بين الحقيقتين في تمام الماهية والحقيقة. وعلى هذا التقدير فإنه يبطل قولكم : إنه يمتنع أن يمتاز أحد البعدين عن الآخر بالماهية ، وإذا بطلت هذه المقدمة ، فقد بطل الدليل الذي عولتم عليه.
لا يقال : البعد امتداد (٦) لا ماهية له إلا مجرد كونه بعدا وامتدادا. وهذا القدر مفهوم واحد والأبعاد بأسرها متساوية في تمام الماهية. فلو كان بعضها مخالفا لبعض ، لكانت تلك المخالفة حاصلة في مفهوم آخر (٧) سوى كونه بعدا.
__________________
(١) وجهين (م).
(٢) وتقرير هذا الكلام (س).
(٣) والأجسام (م).
(٤) متشاركة في كونها قابلة لفرض الأبعاد ... الخ (م).
(٥) لوازمها (م).
(٦) والامتداد (م).
(٧) في مفهوم آخر ، وراء هذا المفهوم ، ثم ذلك المفهوم الآخر لما كان شيئا. مغايرا لطبيعة البعد والامتداد ولم ... الخ (م ، ت).