كما كان. وإما أن يقال : إنه انتقل وتحرك. والأول مكابرة ، فإن هذا الدقيق كان حاصلا في «الري» والآن حصل في «خراسان» فكيف يعقل أن يقال : لم ينتقل ولم يتحرك؟ فيثبت : أنه انتقل في نفسه وتحرك في ذاته ، وظاهر أنه لم ينتقل عن ذلك السطح الذي كان محيطا به في «الري» لأنه حال ما حصل في «خراسان» يقع السطح من ذلك الدقيق ، مماسا للسطح الباطن من الجراب. فعلمنا : أن المكان الحقيقي الذي يسكن فيه ذات الجسم ، ويتحرك عنه وإليه : هو الفضاء المذكور ، والخلاء الموصوف (١) حتى يقال : إن ذات الدقيق انتقل من ذلك الفضاء الذي كان في «الري» إلى الفضاء الحاصل ب «خراسان» وذلك هو المطلوب.
الحجة الثانية : إنا نعلم بالضرورة : أن بين طرفي الطاس امتدادا مخصوصا ، وبعدا معينا. فذلك البعد والامتداد ، إما أن يكون هو بعد الجسم الحاصل بين طرفيه ، وإما أن يكون بعدا آخر مغايرا له.
والأول باطل لوجوه :
أحدها : إنا سنقيم الدلالة على أن الخلاء ممكن الوقوع ، وبتقدير وقوع الخلاء يكون ذلك البعد والامتداد حاصلا ، مع عدم الأجسام التي يصح عليها الحركة والسكون. وذلك يدل على أن ذلك البعد مغاير للبعد الحاصل في الأجسام.
وثانيها : هب أن الملاء واجب الحصول ، إلا أن حصوله غير معلوم بالبديهة ، بل هو معلوم الثبوت بالدلائل الدقيقة ، والوجوه الغامضة فقبل العلم بتلك الدلائل يكون وجود تلك الأجسام غير معلوم ، لكنا بينا أن وجود البعد الممتد بين طرفي الطاس [معلوم بالبديهة ، والشيء الواحد لا يصدق عليه كونه معلوما بالبديهة ، وغير معلوم بالبديهة. وهذا يدل على أن ذلك البعد الممتد بين طرفي الطاس (٢)] العلوم ثبوته بالضرورة ، مغاير للأجسام الحاصلة بين طرفي الطاس.
__________________
(١) المذكور (س).
(٢) سقط (ط) ، (س).