هناك : مغاير للمعقول من كونه بحيث يحيط به غيره. فيثبت : أن الحيز الذي حكم العقل بكون الجسم حاصلا فيه : مغاير للسطح الحاوي [والله أعلم (١)].
ومما يؤكد ذلك : أن صريح العقل يحكم بأن الجسم حال وجوده لا بد وأن يكون إما متحركا وإما ساكنا. وصريح العقل لا يحكم بأنه يجب أن يكون [إما (٢)] مماسا لسطح واحد ، أو منتقلا من مماسة سطح آخر. لأن العقل يمكنه تصور الجسم بحيث لا يماسه شيء من السطوح أصلا.
فيثبت : أن المعقول من كونه متحركا وساكنا ، مغاير للمعقول من كونه مماسا لسطح واحد ، أو منتقلا من مماسة سطح إلى مماسة سطح آخر.
وإذا ثبت هذا فنقول : المعقول من الحركة هو الانتقال من [الحيز إلى الحيز الذي يليه (٣)] والمعقول من السكون هو الاستقرار في الحيز الواحد ، وهذا يقتضي أن سكون هذا الحيز الذي يستقر الجسم فيه تارة ، وينتقل منه إلى غيره أخرى : مغايرا للسطح الحاوي. وذلك هو المطلوب.
الحجة الخامسة : إن الأجسام متناهية. فمجموع الأجسام يجب أن يكون له حيز وجهة ، ومجموع الأجسام يمتنع أن يحيط به سطح آخر. ينتج : أن الحيز والجهة أمر مغاير للسطح الحاوي. لا يقال : مجموع الأجسام ليس لها حيز ولا جهة البتة ، وإنما حصل له وضع بالقياس إلى الأجسام الموجودة في داخله. نعم لا شك أنه يتعذر علينا إثبات جسم لا يكون له حيز ولا جهة. إلا أن الحاكم بهذا الحكم هو الوهم والخيال ، لا العقل. وقد ثبت أن حكم الوهم والخيال باطل كاذب. لأنا نقول : إنا نجد صريح العقل والفطرة شاهدان بأن كل جسم فإنه لا بد وأن يكون حاصلا في حيز وفي جهة.
والذي يؤكد هذا وجوه :
__________________
(١) سقط (م).
(٢) من (س).
(٣) حيز إلى حيز (س).