الفصل الخامس
في
بيان أن الخلاء
ممتنع الوقوع أو ممكن الوقوع؟
مذهب «أرسطاطاليس» : أنه ممتنع الوقوع. وبه قال جميع (١) أتباعه.
ومذهب جمهور الأقدمين من الحكماء ، وجمهور المتكلمين : أنه جائز الوقوع. وهو المختار. ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : إن بديهة العقل حاكمة بأن الجسم الذي هو المتمكن مفتقر إلى الفضاء الذي هو المكان ، فلو كان وجود الفضاء الذي هو المكان ممتنع الوجود ، إلا مع المتمكن ، لزم افتقار كل واحد منهما إلى الآخر ، فيكون دورا ، وهو محال. فيثبت : أن الفضاء غني في وجوده وفي ذاته عن المتمكن. وهو أيضا غير موجب (٢) لذات المتمكن وإلا لامتنع أن يفارق المتمكن. فيثبت : أن المكان غني في ذاته عن المتمكن ، وغير موجب له ، وما كان كذلك لم يمتنع وجوده منفكا عنه ، فيلزم القطع بأنه لا يمتنع وجود الحيز والفضاء خاليا عن المتمكن. ولا معنى للخلاء إلا ذلك. فإن قيل : يشكل ما ذكرتم بالجوهر والعرض. فإن كل واحد منهما غني في وجوده عن الآخر. وإلا وقع الدور ، وأحدهما غير موجب للآخر ، وإلا لامتنع وجود الجسم بدون ذلك العرض ، مع أنه يمتنع حصول الجسم إلا مع العرض.
__________________
(١) جمهور (س).
(٢) واجب (م).