كان مماسا له قبل ذلك ، فهو حينئذ لم يتحرك أصلا. والجسم إذا تحرك أحد جانبيه ، ولم يتحرك منه الجانب الآخر البتة ، فإنه يلزم وقوع التفكك في أجزائه. وهذا هو الذي عوّل عليه الحكماء في إبطال الجزء الذي لا يتجزأ ، حيث قالوا : لو تحرك بعض أجزاء الرحى مع سكون البعض ، لزم وقوع التفكك [لكن القول بالتفكك (١)] باطل. فالقول بأن السطح الأعلى يرتفع عن الأسفل دفعة واحدة حق. وأيضا : فلنفرض وقوع التفكك فنقول : اللامماسة من الأمور التي تحصل في الآن ، فالسطحان المفروضان لا شك أنهما كانا متماسين، فإذا حصلت اللامماسة فهذا الذي صار لا مماسا دفعة. إما أن يكون سطحا أو نقطة. فإن كان الأول فقد حصل المطلوب. وإن كان الثاني لزم تشافع (٢) النقط وتتالي الآنات ، وهما باطلان عند القوم.
وأما المقدمة الثالثة فهي في بيان أنه لما ارتفع أحد السطحين عن الآخر فإنه يلزم حصول الخلاء في وسطها. وبرهانه : أنه لو حصل بينهما جسم ، فإما أن يقال : كان ذلك الجسم حاصلا بينهما قبل ذلك أو يقال : إنه انتقل إليه حين رفعنا الأعلى من الأسفل. والأول باطل. لأنا بينا : أن من الممكن أن ينطبق سطح على سطح ، وكل ما كان ممكنا فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فليفرض وقوعه ، لأن المبني على الممكن ممكن. والثاني باطل أيضا. لأن الانتقال إلى ذلك الوسط ، إما أن يكون من مسام الأعلى والأسفل ، أو من الجوانب. والأول باطل. لأن الأجسام (٣) التي تحصل فيها المنافذ والمسام ، فإنه لا بد وأن يحصل بين كل منفدين : سطح متصل ، وإلا لزم أن لا يحصل في السطح ذي المنافذ وذي المسام سطح متصل ، وحينئذ يكون الجسم عبارة عن نقط متفرقة ، وذلك باطل. وإذا حصل في السطح ذي المنافذ سطح متصل ، ثم إنا نجد السطح ذا المنافذ يرتفع عما تحته دفعة ، علمنا أن كل واحد من تلك
__________________
(١) سقط (م ، ت).
(٢) تدافع (م).
(٣) الأجسام وإن حصلت المنافذ والمسام فيها إلا أنه لا بد وأن يحصل بين كل مقدمتين سطح منعقد وإلا لزم ... الخ (م ، ت).