الحجة الخامسة : إن كل عاقل يعلم ببديهة عقله أن الموجود ، إما أن يكون قديما أو محدثا ، ثم إنه لا نعقل من القديم إلا أنه الذي لا أول لوجوده ، ولا نعقل من الحادث إلا أنه الذي يحصل لوجوده أول ، ثم إذا فسرنا قولنا : بأنه لا أول لوجوده : وهو أنا إذا اعتبرنا حالة في الأزمنة السالفة ، فإنا لا نصل عقولنا إلى زمان إلا وقد كان موجودا قبله. وإذا فسرنا الحادث : بأنه الذي لوجوده أول لم نفهم منه ، إلا أن عقولنا تنتهي إلى وقت ، يحكم عقلنا بأنه حدث فيه. فثبت : أن صريح العقل حاكم بأن الشيء إما أن يكون قديما ، وإما أن يكون محدثا ، وثبت أنه لا يمكن تصور معنى القديم ومعنى المحدث إلا عند الحكم بوجود [المدة (١)] والزمان ، وذلك يفيد أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي.
الحجة السادسة : إن صريح العقل حاكم بأنه يمكن قسمة الزمان إلى السنين ، وقسمة السنين إلى الشهور ، وقسمة الشهور إلى الأيام ، وقسمة الأيام إلى الساعات ، ويعلم بالضرورة أن الساعة جزء من اليوم ، [الذي هو جزء من الشهر (٢)] ، الذي هو جزء من السنة ، التي هي جزء من المدة. والعلم بحصول هذه التقديرات والتقسيمات ، علم ضروري. والعلم بكون بعضها أقل من بعض ، أو أكثر من بعض علم ضروري. ومن المعلوم بالضرورة: أن المحكوم عليه بقبول هذه التقسيمات مغاير للسواد والبياض والحجر والمثلث ، وأن ذلك الأمر ما لم يكن متحققا في الأعيان ، امتنع كونه موردا لهذه التقسيمات [في الأعيان (٣)] ، فثبت : أن العلم بوجود الزمان ، [والمدة (٤)] علم بديهي.
الحجة السابعة : إن كل أحد يعلم بأن هذه المدة قصيرة ، وأن تلك المدة طويلة. فإنه يقال بقي إلى وقت الظهر زمان طويل ، ثم يقال بعد ذلك : إنه لم
__________________
(١) سقط (م).
(٢) سقط (ط) ، (س) ..
(٣) سقط (ط) ، (س).
(٤) سقط (س).