يبق من تلك المدة إلا القليل. والعلم بحصول هذه الأحوال علم بديهي ، ومتى كان العلم بصفة الشيء بديهيا ، كان العلم بأصل وجوده أولى أن يكون بديهيا. فثبت : أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي. ولا يقال : لم لا يجوز أن يقال : هذه القلة ، وهذه الكثرة ، أمران اعتباريان لا حصول لهما إلا في الأذهان [والخيال (١)؟ لأنا نقول : هذا الفرض الذهني ، إن كان مطابقا للأمر الخارجي ، فقد حصل المطلوب ، وإن لم يكن مطابقا كان فرضا كاذبا ، وحكما باطلا ، وكان جاريا مجرى ما إذا فرضنا هذا الحجر ياقوتا ، مع أنه في نفسه ليس كذلك ، ومعلوم أن تقسيم الزمان بالأجزاء العظيمة والصغيرة ، ليس من هذا الباب. فبطل قول من قال : إنه محض الفرض والاعتبار.
الحجة الثامنة : إن جميع الجهال [والعوالم (٢)] ، يؤرخون ويعلمون أن السنين تتوالى وتتعاقب ، ويميزون ببدائه عقولهم بين الماضي المستقبل والحال ، وهذه فالصفات لا شك أنها صفات المدة [والصفة (٣)] إذا كانت معلومة بالضرورة ، كان الموصوف أولى أن يكون كذلك.
واعلم أن هذه الوجوه [التي ذكرناها (٤)] متقاربة ، وهي بأسرها دالة على أن العلم بوجود المدة ضروري.
الحجة التاسعة : إنا قد نحكم على حركتين بأنهما ابتدأتا معا ، وانقطعتا معا ، ويكون علمنا بهذه المعية في الابتداء وفي الانقطاع : علما ضروريا. وقد نقول في حركتين أخريين : إن إحداهما ابتدأت قبل الأخرى ، وانقطعت قبلها وبعدها. وعلمنا بهذا التقدم والتأخر علم ضروري ، ثم لا نعقل من هذه المعية إلا أنهما حصلا في زمان واحد ، ولا نعقل من هذا التقدم والتأخر إلا أن أحدهما حصل في الزمان السابق على زمان حدوث هذا المتأخر. وكل ذلك يدل على أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي.
__________________
(١) سقط (ط) ، (س) والأذهان (س) والذهن (ت).
(٢) سقط (ط) ، (س) ويعرفون (ت).
(٣) سقط (ت).
(٤) سقط (م).