الحجة العاشرة : إنا نحكم حكما بديهيا بأن هذه الحركة أبطأ من [تلك (١)] الأخرى. مثل قولنا : إن دبيب النملة أبطأ من طيران الطائر ، ثم إنه [لا (٢)] يمكننا تفسير الحركة البطيئة ، والحركة السريعة ، إلا بأنا نقول : السريعة هي التي تقطع مسافة مساوية لمسافة البطيئة في زمان أقل من زمانها ، أو التي تقطع مسافة أطول من مسافة البطيئة في زمان مساوي لزمانها ، فلما ثبت أن العلم بكون الحركة بطيئة وسريعة علم بديهي ، وثبت أنه لا يمكن فهم تصور ماهية الحركة السريعة وماهية الحركة البطيئة ، إلا بعد الاعتراف بوجود المدة والزمان ، علمنا : أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي.
واعلم أنا قد نبهنا بهذه الوجوه العشرة التي ذكرناها على كثير من الوجوه المغايرة لها ، مع أن في الواحد منها كفاية في إثبات هذا المطلوب.
[ولما ثبت أن العلم بوجود المدة والزمان علم بديهي أولى. نقول (٣)] : هذه المدة لا يجوز أن تكون عبارة عن حركة الفلك ، ولا عبارة عن صفة من صفات شيء من حركات الفلك ، ويدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : إن الإنسان الأعمى الجالس في البيت المظلم ، المراقب لكيفية انقضاء المدة والزمان ، يعلم أن مقدار ما مضى من المدة من الوقت الفلاني ، كم هو بالتقريب؟ من غير اعتبار حال حركة الشمس والقمر والكواكب والأفلاك ، وهذا العاقل يجد المدة تمضي وتمر مرورا دائما من غير وقوف البتة. وأنه كالنهر الجاري ، والعاقل إذا اعتبر حال نفسه ، وجد أن الأمر كما ذكرناه ، وجدانا ضروريا ، إلا إذا كان نائما أو مصروف الفكر إلى غير هذا الاعتبار ، ولو أنه توهم الفلك معدوما ، وتوهم الشمس والقمر وجميع الكواكب
__________________
(١) سقط (س).
(٢) من (ت).
(٣) ما بين القوسين من (ت) وفي (ط ، س) إذا ثبت هذا الأصل فنقول :