بل هو أمر ممكن بحسب العقل ، ولذلك فإن جمهور أرباب الملل والأديان جازمون به. ومن المعلوم أن الذي يكون معلوم البطلان بالبديهة ، لا يمكن إطباق الخلق العظيم عليه. فثبت : أن رفع كل الحركات [عن العقول والأذهان غير ممتنع (١)] فوجب الجزم بأن المدة أمر مغاير للحركة ، ولجميع صفات الحركة. وهو المطلوب.
الحجة التاسعة : إنا لا نعقل ماهية الحركة ، إلا إذا عقلنا كون المتحرك حاصلا في حيز ، [بعد أن كان حاصلا في حيز (٢)] آخر. ولذلك فإن جميع العقلاء لا يفهمون من الحركة : [إلا (٣)] الانتقال من حيز إلى حيز آخر ، فيكون الحصول في الحيز الثاني واقعا بعد الحصول في الحيز الأول. وهذه البعدية ليست إلا البعدية الزمانية. فثبت : أنه لا يمكن تعقل ماهية الحركة ، إلا بعد تعقل ماهية المدة والزمان. وأما تعقل المدة والزمان فإنه غني عن تعقل ماهية الحركة. بدليل : أنا لما فرضنا أن الله تعالى أعدم الفلك ، وأعدم الكواكب ، وأعدم كل الحركات ، ففي هذه الحالة لم يقدر عقلنا وفكرنا أن يحكم ببطلان المدة ، بل حكمت الفطرة الأصلية ، بأنه لا بد وأن يكون وقت الإعدام مغاير لوقت الوجود. وأيضا : فقد بينا أن حالنا نكون غافلين عن الفلك والشمس والقمر ، وسائر الكواكب فإنا نجد في عقلنا أمرا ممتدا مستمرا ، يحدث منه شيء فشيء ، كأنه الماء السيّال الجاري ، أو كأنه خيط ألقي على طرف سيف ، ثم جرّ. فإن الخيط يلاقي حدّ السيف جزءا فجزءا ، فكذا هاهنا.
الحجة العاشرة : إن القائلين بحدوث الفلك ، بل القائلين بحدوث جميع الأجسام ، سلموا أن حدوثه قبل أن حدث : ممكن. وهذا يدل على شهادة فطرتهم الأصلية بأنه لا يعقل حدوث شيء ، إلا في مدة وزمان.
وتمام التقرير في هذا الوجه : إن من القائلين بحدوث العالم ،
__________________
(١) على العقول والأذهان يمنع (ت).
(٢) سقط (ط).
(٣) من (س).