[منهم (١)] من قال : إن العالم قبل حدوثه كان ممكن الوجود. ومنهم من قال : كان ممتنع الوجود. وعلى التقديرين فقد عقلوا قبل حدوث الفلك والكواكب والعالم قبلا وبعدا ، وذلك يدل على أن جزم العقل بوجود هذه المدة جزم بديهي ، وإن هذا القبل والبعد إنما يحصل بشيء سوى الحركة الفلكية (٢).
الحجة الحادية عشر : إنا إذا فرضنا أوّلا للحركة ، فإنه لا يلزم من مجرد فرض أول للحركة ، حصول حركة قبل تلك الحركة ، لأنه لا يستبعد في العقل أن يكون الشيء ساكنا ثم يتحرك. وأيضا : إذا فرضنا آخرا (٣) للحركة ، فإنه لا يلزمنا من مجرد هذا الفرض إثبات حركة بعد تلك الحركة ، لأنه لا يستبعد في العقل أن يكون الشيء متحركا ، ثم يصير ساكنا.
أما إذا فرضنا المدة أولا ، لزمنا من مجرد هذا الفرض ، إثبات مدة قبل تلك المدة ، لأن المدة لا يكون لها أول ، إلا إذا كان عدمها قبل وجودها ، وتلك القبلية لا يمكن حصولها ولا تعقلها ، إلا بسبب المدة. فثبت : أنا متى فرضنا للمدة أوّلا ، فإنه يلزم من مجرد هذا الفرض كونها موجودة قبل ذلك الأول ، وكذلك إذا فرضنا للمدة آخرا فإنه يلزم من مجرد فرض انقطاع المدة ، كونها موجودة بعد ذلك الانقطاع ، لأنه لا يحصل لها انقطاع ، إلا إذا حصل عدمها بعد وجودها ، وهذه البعدية لا يمكن تعقلها إلا عند حصول المدة ، فثبت : أن فرض أول وآخر للحركة ، لا يوجب إثبات حركة قبل ذلك وبعد ذلك الآخر ، وذلك يدل على أن المدة شيء مغاير للحركة ولجميع صفاتها وأحوالها.
فظهر بهذه البراهين القاهرة : أن الزمان والمدة لا يمكن أن يكون عبارة عن [مقدار (٤)] الحركة الفلكية ، وإذا بطل هذا بطل أيضا : أن يكون الزمان عبارة عن صفة من صفات تلك الحركة ، وحالة من أحوالها. وبهذا يظهر فساد
__________________
(١) (م).
(٢) حركة الفلك (م).
(٣) أجزاء (ت).
(٤) من (ط) ، (س).