الفلك كان معدوما قبل هذا الوقت ، بألف ألف سنة. ولا شك أن هذا الحكم ليس بديهي البطلان والفساد. وإذا ثبت هذا فنقول : معنى قولنا : إن الفلك كان معدوما قبل هذا الوقت بألف ألف سنة : هو أن الوقت المتقدم على هذا الوقت الحاضر ، بمقدار ألف ألف سنة ، كان الفلك معدوما فيه. وهذا يقتضي إضافة عدم الفلك ، وإضافة عدم حركة الفلك إلى ذلك الوقت المعين. فلو كان الزمان عبارة عن حركة الفلك ، لصار معنى هذا الكلام : أن حركة الفلك كانت معدومة ، عند ما كانت حركة الفلك موجودة. ومعلوم أن هذا الكلام أولى بالفساد ، وبديهي البطلان. فلما كان قولنا : الحركة الفلكية كانت معدومة قبل هذا الوقت بألف ألف سنة ليس بديهي البطلان ، وكانت إضافة عدم الحركة إلى نفس وجودها ، وإلى [نفس (١)] وجود مقدارها بديهي البطلان ، علمنا : أن الزمان شيء مغاير للحركة الفلكية ولمقدارها. وذلك هو المطلوب.
الحجة الثالثة عشر : قال أصحاب «أفلاطون» : دل البرهان على أن الزمان قديم ، ودل البرهان على أن الحركة يمتنع أن تكون قديمة. وهذا (٢) يدل على أن الزمان مغاير للحركة، ومغاير لجميع صفات الحركة. أما بيان أن الزمان قديم : فلأنه لو كان مسبوقا بالعدم ، لكان عدمه سابقا على وجوده سبقا بالزمان ، وذلك يوجب أن يكون كونها موجودا حال كونه معدوما ، وهو محال.
وأما بيان أن الحركة يمتنع أن تكون قديمة : فذلك لأن الحركة انتقال من حال إلى حال ، فحقيقة الحركة تقتضي كونها مسبوقة بالغير ، وحقيقة الأزلية والقدم تنافي المسبوقية بالغير ، والجمع بينهما محال. فثبت : أن الزمان قديم ، وثبت : أن الحركة يمتنع كونها قديمة ، فيلزم أن يقال : الزمان غير الحركة ، وغير مقدار الحركة ، وهو المطلوب.
الحجة الرابعة عشر : مقدار كل شيء إما عين ذاته ، وإما صفة حاصلة في ذاته ، وكون الشيء حاصلا في نفسه محال ، وكون الشيء حاصلا فيما هو
__________________
(١) من (س).
(٢) وهذا مع (م).