قال الشيخ في كتاب عيون الحكمة : «الدهر في ذاته من السرمد ، وهو بالقياس إلى الزمان دهر» وأقول : معناه : إن الدهر في ذاته شيء ثابت غير متغير إلا أنه إذا نسب إلى الزمان الذي هو موجود متغير في ذاته ، سمي دهرا. وهذا تصريح بأن الدهر ثابت في نفسه وذاته ، إلا أنه مع كونه كذلك ، فإنه يقتضي حصول هذه النسب المتغيرة.
وفي هذا اعتراف بأن الشيء قد يكون ثابتا في ذاته ، ومع ذلك فإنه يقتضي تقدير الأحوال المتغيرة بالمقادير المخصوصة. إذا عرفت هذا فنقول : إن هذا عين مذهب أفلاطون ، وهو أن الزمان جوهر قائم بنفسه مستقل بذاته ، إلا أنه يقتضي تقدير هذه الأحوال المختلفة ، وقد ثبت أن الناصرين لمذهب أرسطاطاليس في أن الزمان مقدار الحركة ، لا يمكنهم التوغل في شيء من مضايق المباحث المتعلقة بالزمان ، إلا عند الرجوع إلى قول أفلاطون.
وأقول : قد ذكرنا : أن الأقرب عندنا في المدة والزمان هو مذهب أفلاطون. وهو أنه موجود قائم بنفسه مستقل بذاته ، فإن اعتبرنا نسبة ذاته إلى ذوات الموجودات [القائمة المبرأة (١)] عن التغير ، سميناه بالسرمد ، وإن اعتبرنا نسبة ذاته إلى ما قبل حصول الحركات والتغيرات ، فذاك هو الدهر الداهر ، وإن اعتبرنا نسبة ذاته إلى كون المتغيرات مقارنة [له حاصلة (٢)] معه فذاك هو الزمان [وبالله التوفيق (٣)].
__________________
(١) الدائمة المبرأة (م ، ت).
(٢) من (ط).
(٣) من (ط) ، (س).