وجب أن لا تكون الأفلاك موصوفة بالشدة والإحكام ، وذلك على خلاف نص القرآن. وأيضا : نتمسك بقوله تعالى في صفة السموات : «فارجع البصر هل ترى من فطوة (١)؟ ولو كانت الأفلاك متخرقة متمزقة ، لوجب أن تكون كلها خروقا. وذلك على نقيض قوله تعالى : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ)؟
والثالث : إن الإنسان لو وضع عقبه على الأرض ، ثم أدار نفسه على عقبه ، دورة تامة. لزم أن يقال : إنه في تلك الحالة ، تفككت أجزاؤه وتفرقت وتمزقت. والحس يدل على أن ذلك باطل. فإن هذا الإنسان يعلم من نفسه : أنه بقي متصل الأجزاء ، كما كان قبل ذلك. لا سيما وعند المعتزلة : أن افتراق أجزاء البنية يوجب الموت.
الرابع : إن القول بتفكك أجزاء الرحى ، يقتضي أن يقال : إن كل واحدة من تلك الدوائر ، يجب أن يعلم : أنه كم ينبغي أن يسكن؟ وكم ينبغي أن يتحرك؟ حتى لا تتغير تلك الأجزاء عن مسامتاتها ومناسباتها ، التي كانت موجودة. ومعلوم : أن أعقل الناس لا يهتدي إلى هذه الحالة ، فضلا عن أجزاء الحجر ، مع أنها جمادات خالية عن الفهم والإدراك.
إلا أن المتكلمين يقولون : إن إله العالم يحرك كل واحد منها في بعض الأحياز ، ويسكنها في البعض ، على وجه تبقى تلك المسامتات والمناسبات كما كانت. ومثل هذا الفعل من الإله الحكيم غير مستبعد. ولما ثبت بالدليل : أنه لا يجوز أن يقال : إنه عند حركة ، الدائرة العظيمة جزءا ، تتحرك الدائرة الصغيرة أيضا جزءا تاما. وثبت : أنه لا يجوز أن يقال : عند حركة الدائرة العظيمة جزءا [لا يتحرك من الصغيرة شيء البتة. بقي أن يقال : إن عند حركة العظيمة (٢)] تتحرك الدائرة الصغيرة ، أقل من جزء. وذلك يفيد كون كون المقدار قابلا للقسمة ، إلى غير النهاية.
واعلم : أن هذه الحجة تقتضي انقسام الزمان والمسافة معا إلى غير
__________________
(١) الملك (٣).
(٢) من (س).