فثبت بما ذكرنا : أن مذهبكم : أنكم إذا وجدتم برهانا عقليا على صحة شيء. فإذا صار ذلك الدليل معارضا بشيء مستبعد جدا. التزمتم ذلك المستبعد ، ولا تلتفتون إليه. فكذا هاهنا لما دلت الدلائل اليقينية على إثبات الجوهر الفرد ، ثم لزم على إثبات الجوهر الفرد : وقوع التفكك في حجر الرحى ولزم [على (١)] القول بكون الجسم مركبا من أجزاء غير متناهية : محالات أقطع وأشنع من هذا الإلزام. وجب التزامه وترك الالتفات إليه.
فهذا ما عندي من البحث في هذا الدليل.
وهاهنا سؤال آخر : وهو أن بعض مثبتي الجوهر الفرد ، قال : «القول بتفكك حجر الرحى ، لازم أيضا على القائلين بنفي الجوهر الفرد. وذلك لأن حجر الرحى ، قد حصلت الدائرة الكبيرة فيه ، وحصلت الدائرة الصغيرة في داخل تلك الدائرة الكبيرة. ولا شك أن المحيط متصل بالمحاط [به (٢)] فإذا تحرك المحيط حركة سريعة ، وتحرك المحاط به حركة بطيئة ، لزم تفكك إحداهما عن الأخرى. فثبت : أن القول بالتفكك لازم».
ولمجيب أن يجيب عن هذا السؤال : فيقول : لا نسلم أنه يلزم من كون إحدى الدائرتين أسرع من الدائرة الأخرى ، وقوع التفكك بينهما. وذلك لأن إحداهما وإن تحركت قليلا إلا أن تلك الحركة القليلة يبقى سمتها مع الشيء ، الذي تحرك كثيرا. كما كان قبل ذلك. ولما بقي السمت بسبب هذا القدر من الحركة. لم يلزم وقوع التفكك. فهذا هو الكلام على هذا الدليل.
وأما الحجة الثالثة : وهي التمسك بحال انتقال الظل فنقول : هذا الإشكال إنما يلزم، لو قلنا : المؤثر في انتقاص الظل ، هو ارتفاع الشمس. فأما إذا أسندنا ذلك إلى الفاعل المختار. فالإشكال زائل.
وتمام الكلام في المعارضات سبق (٣) في دليل الرحى.
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) وما سبق (م).