وهاهنا وجه آخر في السؤال زائد على ما تقدم وهو أنا نقول : إنا قد دللنا على أن حدوث الشيء على سبيل التدريج : غير معقول ، وكذا عدمه بل الحدوث على سبيل التدريج : عبارة عن حدوث أشياء ، على سبيل التعاقب. والعدم على سبيل التدريج : عبارة عن عدم أشياء على سبيل التعاقب. والشيء الواحد وحدة حقيقية لا يحدث إلا دفعة ، ولا يعدم إلا دفعة. ويستحيل أن يكون الذي عدم قبل ، هو عين ذلك الذي عدم بعد. بل ذلك عدم قبل : شيء. والذي عدم بعده : شيء آخر ، مغاير للأول.
إذا ثبت هذا ، فنقول : إن هذا الظل لا يعدم دفعة في الحس ، وإنما يعدم على التدريج فوجب أن يكون معنى عدمه : هو أنه يعدم منه شيء فشيء. وكل واحد مما عدم في نفسه ، فهو في نفسه شيء واحد ، وإنما عدم دفعة. فإذا كان هذا العدم مستمرا ، وقد دللنا على أن هذا العدم المستمر ، معناه : عدم أشياء على التعاقب والتلاصق. فلو كان هذا الخط الحاصل من الظل منقسما إلى غير النهاية ، وجب أن يحصل عند عدمه ، عدم أمور متتالية متلاصقة إلى غير النهاية ، وكل واحد منها يقع في آن واحد : فيلزم : تتالي آنات غير متناهية بالفعل. لا سيما لما تعاقبت تلك الآنات ، وتوالت. ويمتنع أن يوجد منها اثنان دفعة واحدة. بل الحاصل هو العدم بعد العدم. وكل واحد من تلك العدمات واقع في الآن ، لزم منه القول بحصول آن بعد آن. وإذا كانت تلك العدمات غير متناهية بالفعل ، لزم أن تكون تلك الآنات غير متناهية بالفعل ، فيلزم أن يكون ما لا نهاية له من الأمور الموجودة بالفعل ، قد وجد ، مع كونها محصورة بين حاصرين. وذلك محال. فثبت بما ذكرنا : [أن القول (١)] بأن عدم ذلك الظل ، عدم واحد متصل : قول باطل. وإنه لو كان الحق أن ذلك الظل يقبل انقسامات لا نهاية لها ، توجب أن يحصل هناك عدمات متغايرة بالفعل لا نهاية لها ، وأن يحصل هناك آنات بالفعل لا نهاية لها ولما كان ذلك باطلا فاسدا ، علمنا : أن ذلك الظل لا يقبل إلا انقسامات متناهية. وهو المطلوب.
__________________
(١) من (ط ، س).