يكون الشيء بالفعل [وما كان كذلك امتنع كونه قابلا لشيء آخر ، لأن عندهم الشيء الواحد لا يكون سببا للقوة وللفعل معا (١)] ولما كان ذلك كذلك (٢) ، كان القابل للأبعاد الثلاثة : ليس إلا الهيولى فهذا الذي جعلوه معرفا للجسم ، لم (٣) يصدق البتة على الجسم ، وإنما صدق على هيولى الجسم ، فكان باطلا.
الثاني : إن الرسم عبارة عما إذا كانت الماهية مجهولة في نفسها ، فنعرفها بصفة معلومة. وليس الأمر هاهنا كذلك. لأن الجسم أعني هذا الشيء الذي له حجم ومقدار أمر معلوم بالضرورة ، وكل عاقل فإنه ببديهة عقله يتصوره ويتعرفه ، ويميز بينه وبين سائر الموجودات. مثل : الحركة والسكون ، والألوان والطعوم ، وغيرها. وإذا كان تصور هذه الماهية حاصلا في جميع العقول والأفهام ، امتنع تعريفها بشيء آخر.
الثالث : إن ذات الجسم ـ أعني هذا الشيء المتحيز أقرب إلى الأفهام والعقول من كونه قابلا لفرض الأبعاد الثلاثة المتقاطعة على الزوايا القوائم. فإن جميع العقلاء يتصورون ماهية الحجم والمقدار ، ولا يعرفون البتة معنى كونه قابلا للأبعاد الثلاثة المتقاطعة على الزوايا القوائم ، إلا بتدقيق النظر ، وغامض الفكر. وتعريف الظاهر الجلي ، بالغامض الخفي : منهي عنه في المنطق.
الرابع : إن تصور قبول الأبعاد الثلاثة المتقاطعة ، على الزوايا القوائم ، مشروط بتصور ماهية الجسم. وذلك لأنا إذا مددنا خطا ، ثم أقمنا عليه خطا آخر ، فإنه يحصل في السطح زاويتان قائمتان فقط ، ويمتنع حصول الزوايا الثلاثة المتقاطعة على القوائم فيه. أما إذا فرضنا قيام خط على [طرف (٤)] خط آخر ، فإنه تحصل فيه زاوية واحدة قائمة. ثم إذا فرضنا نزول خط آخر من نقطة التقاطع في العمق ، فإنه يحدث في العمق زاويتان قائمتان. فالعقل ما لم
__________________
(١) من (م).
(٢) وإذا كان كذلك (م).
(٣) ثم (م).
(٤) من (م).