وأما السؤال الثاني : وهو المعارضة بالنفوس الناطقة. فجوابه : أن الحكماء قالوا : كل ما له ترتيب في الطبع ، أو في الوضع. فدخول ما لا نهاية له فيه : جائز. والنفوس الناطقة ليس لها ترتيب. لا في الطبع ولا في الوضع. فظهر الفرق.
قال بعض المتكلمين : هذا الفرق في غاية الضعف. لأن مدار هذا الدليل على حرف واحد. وهو أن الجملة الناقصة ، تنقطع حال ما تكون الجملة الزائدة باقية وذلك يقتضي كون الجملة الناقصة متناهية ، والفضلة أيضا متناهية. فوجب أن تكون الجملة متناهية. وهذا الحرف قائم ، سواء كان لتلك الجملة ترتيب في الطبع ، كما في أدوار الفلك. أو في الوضع ، كما في الأبعاد. أو لا في الطبع ولا في الوضع ، كما في النفوس. وإذا كان وجه الدليل قائما في الكل [كان (١)] الضابط الذي ذكرتموه عبثا.
هذا غاية ما وصل إلينا في هذا المقام.
ولقائل أن يقول : هذا الضابط الذي ذكره الحكماء : معتبر جدا. وتقريره : أنه لما انطبق الشبر الأول من الجملة الزائدة ، على الشبر الأول من الجملة الناقصة ، استحال أن ينطبق الشبر الثاني من الجملة الأولى ، على الشبر الأول (٢) من الجملة الناقصة. لأنه لما تقابل الأول بالأول ، وجب أن يتقابل الثاني بالثاني ، حتى يكون التقابل بحسب مراتب الأعداد حاصلا. وإذا كان الأمر كذلك ، وجب انتهاء الجملة الناقصة إلى الانقضاء والعدم. وذلك يوجب كونها متناهية.
فهذا تقرير هذه الحجة في العدد ، الذي له ترتيب في الوضع.
وأما العدد الذي له ترتيب في الطبع ، فكذلك أيضا. لأن المعلول الأخير من الجملة الزائدة ، مقابل بالمعلول الأخير. والثاني بالثاني. والثالث بالثالث.
__________________
(١) من (س).
(٢) الثاني الأول (م)