فثبت : أن هذا الأصل معتبر في تقرير الإلهيات والنبوات والمعاد. فيجب الاهتمام بتقريره : فنقول : الناس ذكروا فيه وجوها :
الأول : إن الأجسام متساوية في كونها شاغلة للأحياز ، وفي كونها قابلة للأعراض. وإذا حصل الاستواء في هذه المعاني ، فقد حصل الاستواء في تمام الماهية. وهذا بعيد. لأن كونها شاغلة للأحياز ، وقابلة للأعراض : لوازم لتلك الذوات وأحكام لها. والاستواء في اللوازم والأحكام لا يدل على الاستواء في تمام الماهية. لما ثبت : أن الأشياء المختلفة ، لا يبعد اشتراكها في اللوازم.
الثاني : قالوا : الجسم يمكن تقسيمه إلى الفلكي والعنصري ، وإلى اللطيف والكثيف ، وإلى الحار والبارد ، والأرضي والناري. ومورد التقسيم مشترك فيه بين جميع الأقسام. فكونه جسما مفهوم واحد مشترك بين الكل. وهو المطلوب.
وهذا أيضا ضعيف. لأنه يمكن أيضا تقسيم الصفة إلى الصفة الروحانية والصفة الجسمانية ، وإلى اللون والطعم والرائحة. وهذا يقتضي كون الصفات متساوية في كونها صفات ، وأن يقع اختلافها بسبب صفات أخرى. ويلزم التسلسل ، وهو محال.
والأقرب في هذا الباب : أن يقال : لا شك أن الأجسام متساوية في كونها متحيزة. وهذا المفهوم قدر مشترك. فالأجسام لما كانت متساوية في هذا المفهوم. لو كانت مختلفة باعتبار آخر ، لكان ما به المشاركة غير ما به المخالفة. فوجب أن يكون اعتبار الحجمية والمتحيزية ، أمرا مغايرا لتلك الاعتبارات الأخرى. وإذا كان كذلك ، فنقول : إما أن يكون كل واحد من ذينك الاعتبارين حالا في الآخر ، ومحلا له. وإما أن لا يكون حالا في الآخر ، ولا محلا له. وإما أن يكون أحدهما حالا والآخر محلا.
والأول باطل لوجهين : أحدهما : إن الحال مفتقر إلى المحل فلو كان كل واحد منهما حالا في الآخر ومحلا له ، لزم الدور. والثاني : إنا نبين أن الحجمية والتحيز ، يمتنع أن يكون حالا في محل.