المقدمة
في ماهية الأجسام
اتفق (١) جمهور العقلاء ، على أن هذه الأجسام العظيمة المحسوسة ، لا بد لها من هيولى. إلا أنهم اختلفوا في أن تلك الهيولى ما هي؟ أما القائلون بإثبات الجزء الذي لا يتجزأ. فقد اتفقوا على أن مادة حصول هذه الأجسام هي تلك الأجزاء التي لا تتجزأ. وأما القائلون بحدوث الجواهر والأجسام ، فقد اتفقوا على أنه تعالى يخلق هذه الجواهر ، ثم يؤلفها ، ثم يركبها. فيتولد من تأليفها وتركيبها هذه الأسجام العظيمة. وأما القائلون بقدم هذه الأجزاء فقد اختلفوا. منهم من قال : إنها كانت متفرقة ، واقعة في الخلاء ، من الأزل إلى الوقت الذي جمعها الله ، وخلق منها هذا العالم. ومنهم من قال : إنها كانت مجتمعة ، ثم إنه تعالى فرقها ، وميز بعضها عن البعض. وجعل بعضها فلكا ، وبعضها نارا وهواء وغيرها. ولفظ القرآن مشعر بهذا في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا : أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، كانَتا رَتْقاً. فَفَتَقْناهُما) (٢)؟ ولفظ أول التوراة (٣) مشعر بالقول الأول. فهذا القول هو الذي اختاره كل من
__________________
(١) المقالة الرابعة في الكلام في الهيولي الأولى وفي تفاريعها. وفيه فصول. الفصل الأول. اتفق جمهور العقلاء ... إلخ (م ، ط)
(٢) الأنبياء ٣٠.
(٣) نص أول التوراة : «في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وريح الله ، يرف على وجه المياه. وقال الله : ليكن نور ، فكان نور .. الخ» [تك ١ : ١ ـ ٣].