أشكال المقالة الأولى ينتهي تحليها إلى الشكل الرابع. وهذا الشكل برهانه غير مبني على إثبات الدائرة بل على التطبيق. إذا عرفت هذا فنقول : أما القول بالدائرة : فقد بينا أن دلائلهم في إثباته في غاية الضعف. ودلائلنا على نفيه في غاية القوة. فسقط الاعتماد على ذلك الأصل.
بقي الأصل الثاني وهو التطبيق : فنقول : هذا الأصل يعسر الطعن فيه. وإذا ثبتت صحته [ثبت صحة (١)] ما تفرع عليه من هذه الدلائل. والذي يمكن أن يقال فيه مع الاعتراف بأنه في غاية الصعوبة أن يقال : إنا لا نسلم إمكان تطبيق خط على خط ، وسطح على سطح. والدليل عليه : أنا إذا طبقنا خطا على خط آخر ، فإما أن يلقاه ببعضه أو بكله. والأول يقتضي انقسام الخط في الطول ، وهو محال. والثاني يوجب تفرد أحد الخطين في الآخر ، بحيث تكون الإشارة إلى الآخر ، وذلك محال. لأنه إذا حصل هذا النفوذ فههنا إما أن يبقى به الامتياز أو لا يبقى. والأول باطل. لأن الامتياز لا يمكن أن يقع بنفس الماهية. لأن الخطين مشتركان في تمام الماهية. ولا بلوازم الماهية ، لأن لوازم الماهية مشترك بين أفراد الماهية ، وما يكون مشتركا فيه لا يكون موجبا بالامتياز ولا بالعوارض المفارقة. لأن كل عارض يفرض كونه عارضا لأحدهما ، فإنه لا بد وأن يكون عارضا للآخر. لأنهما لما تداخلا ولم يتميز أحدهما عن الآخر بوجه من الوجوه. فكل عارض يوجد فإنه يكون نسبته إلى أحدهما ، كنسبته إلى الآخر. فيكون ذلك العارض مشتركا فيه. وما يكون مشتركا فيه ، لا يكون سببا للامتياز. فثبت : أنه يمتنع امتياز أحد الخطين عن الآخر في نفس الأمر. وإذا لم يبق الامتياز ، لزم إما اتحاد الاثنين وهو محال. أو أحدهما معا ، وهو أشد امتناعا. فثبت : أن القول بالتطبيق يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فوجب أن يكون القول به باطلا.
فإن قالوا : فهذا الذي ذكرتم أن لا يماس شيء شيئا ، وأن لا يلقى شيء شيئا ، فنقول : قد ذكرنا في الدلائل المبنية على المماسة والملاقاة ، أنه لا معنى
__________________
(١) من (ط).