الفصل السادس
في
بيان أن الجسم المتناهي المقدار
لو كان قابلا لانقسامات لا نهاية لها ،
لوجب كون ذلك الجسم المتناهي في المقدار ،
مؤلفا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل
[اعلم (١)] أن الدلائل الدالة على هذا المطلوب كثيرة :
الحجة الأولى : لو كان الجسم المتناهي في المقدار ، [قابلا لانقسامات لا نهاية لها ، لأمكن كون هذا الجسم المتناهي في المقدار (٢)] مؤلفا ، من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. والثاني باطل ، فالمقدم باطل. بيان الشرطية : إنه لما كان كل واحد من تلك الانقسامات ممكنا في نفسه ، ولم يكن دخول بعضها في الوجود مانعا من دخول الباقي في الوجود ، فحينئذ يصدق أن كل واحد منها ممكن. ووجود بعضها لا ينافي وجود الباقي. وكل أشياء يكون كل واحد منها ممكنا في نفسه ، ولا يكون وجود البعض مانعا من وجود الباقي ، وجب أن يكون حصولها على سبيل الاجتماع : ممكنا. فثبت : أن الجسم المتناهي في المقدار، لو كان قابلا لانقسامات لا نهاية لها ، لأمكن كونه مركبا من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. وهذا التالي محال باتفاق الفلاسفة ، فوجب أن يكون المقدم باطلا.
فإن قيل : الحكماء ما أرادوا بقولهم : الجسم قابل لتقسيمات لا نهاية لها : أنه يصح دخول جميع تلك الانقسامات في الوجود. بل أرادوا : أن الجسم
__________________
(١) من (ط).
(٢) من (ط).