فهذه الوجوه الأربعة دالة على أن القول بكون الأجزاء متلاقية بالكلية قول باطل.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : لقي جزء جزءا. فإنما لقيه ببعضه ، لا بكله. فمن المعلوم : أن هذا إنما يصح فيما يكون منقسما متبعضا. فالأجزاء التي لا تقبل القسمة والبعضية ، يكون هذا محالا في حقها. فثبت بما ذكرنا : أن هذه الأجزاء ، لو تلاقت. لكانت إما أن تتلاقى بكليتها [أو لا بكليتها (١)] وثبت فساد القسمين ، فثبت : أن القول بكونها متلاقية أمر محالا. فإذا ثبت أنه يمتنع كون تلك الأجزاء متلاقية ، وجب أن لا يحصل الجسم من تألفها وتركبها. لأن الأشياء التي لا تكون متلاقية ولا متماسة ، تكون أجزاء متناثرة ، لا يتصل بعضها بالبعض. فوجب أن لا يحصل من تألفها هذا الأجسام العظيمة. وحيث دل الحس على حصول هذه الأجسام العظيمة ، علمنا : أن القول بإنكار التماس والتلاقي قول باطل. فثبت بما ذكرنا : أنه لو حصلت الأجزاء التي لا تتجزأ ، لامتنع عليها كونها متلاقية. ولو امتنع عليها ذلك ، كما حصلت الأجسام من تألفها. والتالي باطل، فالمقدم مثله.
واعلم : أن هذا الدليل يمكن ذكره على وجوه أخرى ، سوى الوجه الذي ذكرناه :
فالأول : أن يقال : إن كل متحيز ، فإنا نعلم بالضرورة أن يمينه غير يساره ، وأن الوجه الذي منه يلي السماء ، غير الوجه الذي منه يلي الأرض وذلك يوجب كونها منقسمة. وهذا الوجه على اختصاره يفيد المطلوب.
الثاني : إنا إذا فرضنا جوهرا (٢) بين جوهرين. فإن المتوسط يماس ما على يمينه ، بوجه غير الوجه الذي به يماس ما على يساره. وذلك يوجب الانقسام.
الثالث : إن جانب اليمين من ذلك المتوسط ، محكوم عليه بأنه يحاذي ما
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) جواهر (م).