الثاني بأحد وجهيه دون الثاني. فوجب أن ينتصف ذلك النصف أيضا بالفعل. فإن كان ذلك الجسم قابلا لانقسامات لا نهاية لها لوجب أن يحصل فيه أجزاء لا نهاية لها بالفعل على الوجه الذي بيناه. إلا أن هذا القول باطل باتفاق الحكماء. فثبت : أن النتيجة التي يجب لزومها من هذه الحجة : قول باطل باتفاق الحكماء. والذي يريد الحكماء إثباته ، فإن هذه الحجة لا تفيده ولا توجبه [فثبت (١)] أن هذه الحجة حجة مغالطية باطلة.
فإن قال قائل : هب أن مقصود الحكيم لا يحصل من هذه الحجة ، إلا أن أقواما آخرين لو تمسكوا بها في إثبات أن الجسم مؤلف من أجزاء غير متناهية بالفعل ، فكيف الجواب؟ فنقول : إن هذه الحجة لا تفيد أيضا هذا المطلوب. وذلك لأن من قال بالكثرة ، فسواء كانت تلك الكثرة متناهية أو غير متناهية فإنه لا بد وأن يعترف بوجود الواحد فيها. لأن الكثرة عبارة عن مجموع الوحدات ، بدون حصول الوحدة. فالقائلون بكون الجسم مركبا من أجزاء غير متناهية ، لا بد وأن يعترفوا بوجود أشياء ، يكون كل واحد منها في نفسه واحدا. إلا أن الحجة المذكورة تبطل وجود الواحد. لأن أي شيء فرض كونه واحدا ، فإنه لا بد وأن يلقى يمينه غير ما يلقاه يساره. فيكون منقسما فلا يكون (٢) الواحد : واحدا. فثبت أن هذه الحجة توجب حصول الكثرة بالفعل [ولما أوجبت حصول الكثرة بالفعل ، فقد أوجبت حصول الواحد بالفعل. ولكنها تمنع حصول الواحد بالفعل (٣)] بالطريق الذي ذكرناه. وإذا منعت من حصول الواحد بالفعل ، فقد منعت من حصول الكثرة. فثبت : أن هذه الحجة توجب القول بحصول الكثرة ، وتمنع من القول بحصول الكثرة فهي حجة تفيد نتائج متناقضة. فهي حجة مغالطية ، لا حجة يقينية. فهذا القدر يكفي لبيان أن هذه الدلائل بأسرها : وجوه باطلة ، غير حقيقية ، ولا يقينية. وهذا القدر كاف لبيان ضعفها وسقوطها.
__________________
(١) من (ط ، س).
(٢) فيكون (م).
(٣) من (ط ، س).