مجردا. وذلك لأن في الساعة التي ذكرتم ، كما يكون الإنسان غافلا عن القلب والدماغ ، فغفلته عن الجوهر المجرد أتم وأكمل. فإن دل ما ذكرتم على أن النفس ليست عبارة عن القلب والدماغ [وغير هما (١)] فبأن يدل على أنها ليست عبارة عن الجوهر المجرد : كان أولى.
السؤال الثالث : إن الدليل الذي ذكرتم قائم في جميع الحيوانات ، فيلزمكم أن تثبتوا لها نفوسا ناطقة مجردة. وذلك بعيد.
والجواب عن السؤال الأول : أن نقول : إنا قد دللنا في باب «نفي الهيولى (٢)» أن كون الجسم جسما متحيزا ، لا يمكن أن يكون صفة قائمة بمحل آخر ، بل هو ذات قائمة بنفسها ، مستقلة بذاتها. وإذا ثبت هذا فنقول : ذلك الإنسان إما أن يكون متحيزا وإما أن لا يكون كذلك. فإن كانت ذاته جوهرا متحيزا وجب أن يكون العالم بتلك الذات : عالما بالمتحيز ، وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد معلوما مجهولا معا. وهو محال. لكنه لا يجب ذلك ، بدليل : أنه إذا كان شديد الاهتمام بأمر من الأمور ، فإنه في تلك الساعة [قد يقول : قلت كذا ، وفعلت كذا. فهو في تلك الساعة عالم بذاته المخصوصة ، مع أنه في تلك الساعة (٣)] يكون غافلا عن معنى التحيز الذاهب في الجهات الستة. فثبت : أنه لو كانت ذاته متحيزة ، لكان كل من عرف ذاته ، وجب أن يكون عارفا بالمتحيز ، وثبت : أنه قد يعرف ذاته ، حال ما يكون غافلا عن المتحيز ، فوجب أن لا تكون ذاته متحيزة. وإذا لم تكن ذاته متحيزة ، وجب أن تكون ذاته (٤) جوهرا مجردا. وهو المطلوب.
وأما السؤال الثاني : وهو قوله : «إن هذا الكلام بعينه يدل على أن ذاته يمتنع أن تكون جوهرا مجردا» فنقول : هذا غير لازم ، لأن الجوهر المجرد ذات
__________________
(١) من (م).
(٢) كت ب الهيولي (م).
(٣) من (ل).
(٤) ذاته مجردة (م).