مخصوصة ، وكونه ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز : قيد سلبي. وهذا القيد السلبي مغاير لتلك الذات المخصوصة ، وإذا حصلت هذه المغايرة ، ثبت : أنه لا يمتنع كون تلك الذات المخصوصة : معلومة ، مع الذهول عن ذلك القيد السلبي ، بخلاف ما إذا كانت ذاته المخصوصة متحيزة ، لأنه بتقدير أن يكون الأمر كذلك ، كان تحيزه نفس تلك الذات ، لا أمرا مغايرا لها ، فكان يجب أن يمتنع كونه عالما بتلك الذات المخصوصة مع الذهول عن التحيز. وحيث لم يكن الأمر كذلك ، ثبت أن تلك الذات المخصوصة يمتنع كونها متحيزة ، فظهر الفرق بين البابين.
وأما السؤال الثالث فجوابه : إنه لو ثبت أن الحيوانات تدرك أنفسها المخصوصة ، حال كونها غافلة عن حقيقة التحيز ، لكان السؤال لازما ، إلا أنه لا سبيل إلى معرفة هذه المقدمة. ثم بتقدير أن نثبت لها نفوسا مجردة ، إلا أنه لا يجب (١) كونها نفوسا ناطقة. لأن التجرد (٢) عن المادة : قيد سلبي ، والاشتراك في القيود السلبية لا يدل على التساوي في تمام الماهية.
الحجة الثالثة : لو كانت النفس جسما ، لكانت إما أن تكون عبارة عن الجسم من حيث إنه جسم ، أو عن الجسم الموصوف بالصفات المخصوصة. والقسمان باطلان ، فبطل القول بكون النفس جسما. أما الحصر فظاهر ، وأما أنه يمتنع كون النفس عبارة عن الجسم من حيث إنه جسم. فالدليل عليه هو : أن المفهوم من الجسم ، يصدق عليه كونه أمرا مشتركا فيه بين جميع الأجسام. والمفهوم من كونه هذا الإنسان : لا يصدق عليه كونه أمرا مشتركا فيه بين جميع الأجسام. وذلك يدل على أن المفهوم من كونه هذا الإنسان ليس مجرد كونه جسما فقط ، وأما أنه يمتنع كون النفس عبارة عن الجسم الموصوف بالصفات المخصوصة. فالدليل عليه : أن على هذا التقدير تكون ماهية النفس
__________________
(١) يجب غير (ل).
(٢) المجرد (ل).