عالما بمجموع تلك الأحوال. فلو كنت أشياء كثيرة ، لوجب أن لا أكون عالما بأحوال نفسي ، ومعلوم أن ذلك باطل ، بل نقول : إن من المعلوم بالضرورة أن الذي أشير إليه بقولي «أنا» : شيء واحد [منفرد ، وغير متعدد. وأن الفرق بين علمي بأني أنا شيء واحد (١)] وبين الحكم على مجموع أشخاص من الناس بأنهم مجموع واحد : معلوم بالضرورة ، بل هو من أظهر العلوم الضرورية. فثبت : أن نفس كل [أحد (٢)] شيء واحد. وأما المتحيز ، والحال في المتحيز ، فإنه يمتنع أن يكون واحدا ، بناء على نفي الجوهر الفرد ، وأما على القول بإثبات [الجوهر الفرد (٣)] فإنه يمتنع أيضا أن تكون النفس جزءا لا يتجزأ. وذلك يدل على أن النفس ليست بمتحيز ولا حال في المتحيز. وهو المطلوب.
فهذا شرح جملة الوجوه القوية في إثبات تجرد النفس.
الحجة الثامنة في إثبات هذا المطلوب : إن بديهة العقل قاضية بأن الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد يمتنع أن يكون سببا لكماله ، وسببا لنقصانه معا. وإذا ثبت هذا فنقول : إنا نعلم بالضرورة أن المواظبة على الأفكار الكثيرة في العلوم الدقيقة توجب كمال حال النفس. فإن النفس بسبب هذه الأفكار تنتقل من القوة إلى الفعل في الكمالات العقلية ، وتصير نورانية مشرقة مضيئة مبتهجة. والمواظبة على الأفكار الكثيرة المذكورة توجب نقصان حال البدن وهلاكه ، وذلك لأن عند حصول الاشتغال بتلك الأفكار والاستغراق فيها ، يستولي الجفاف على الدماغ ، ويضعف حال الهضم فيسوء حال البدن. فثبت : أن المواظبة على الأفكار المذكورة ، توجب كمال حال النفس ، ونقصان حال البدن. فلو كانت النفس عين البدن أو جزءا من أجزائه ، لزم كون الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد ، سببا للكمال والنقصان معا. وذلك محال.
__________________
(١) سقط (طا).
(٢) سقط (ل).
(٣) سقط (ط).