توجب موت البدن وشقاوته وقوته. وأن حياة البدن وسعادته ويقظته ، توجب موت النفس وشقاوتها ونومها. وذلك من أدل الدلائل على أن النفس شيء غير البدن ، وغير كل واحد من أجزائه [وأبعاضه (١)] وهو المطلوب.
الحجة (٢) التاسعة في بيان أن النفس ليست جسما : هو أن نقول : لو كانت النفس العاقلة الفاهمة الفاعلة جسما ، فكان إما أن يكون مجموع هذا البدن أو جزءا داخلا فيه ، أو جسما خارجا عنه. والكل باطل ، فبطل القول بكون النفس جسما. إنما قلنا : إنه لا يجوز أن تكون عبارة عن مجموع هذا البدن ، وذلك لأنا نعلم بالضرورة : أن أكثر أجزاء هذا المجموع خال عن الفهم والإدراك ، فإن العظام لا حس لها ، والأخلاط لا حس لها البتة ، والرباطات أيضا لا حس لها ، وهذا بحسب الأعضاء البسيطة.
وأما بحسب الأعضاء المركبة ، فنحن نعلم بالضرورة : أن الرجلين واليدين وكثيرا من الأعضاء الظاهرة والباطنة ، ليست محلا للعقل والفهم والإدراك. وإذا ثبت أن أكثر الأعضاء البسيطة والمركبة خال عن العلم والفهم والإدراك ثبت : أنه لا يمكن أن يقال : إن مجموع البدن هو هذا العالم القادر المريد الفاعل. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون العالم القادر المريد الفاعل جسما في داخل البدن ، فلأن بتقدير أن يكون الأمر كذلك ، يكون ذلك الجسم (٣) فاعلا بالمماسة ، وفاعلا بالاعتماد على سائر الأجسام. لكن من المعلوم أنه كل ما كانت الحاجة إلى الآلات أقل ، كان ذلك الفعل أسهل. وكل ما كانت الحاجة إلى الآلات أكثر ، كان ذلك الفعل أشق. ولا شك أن ذلك الجسم لا يكون مماسا لجميع أجزاء البدن ، لأن الجسم الواحد يمتنع حصوله في الأماكن الكثيرة دفعة واحدة ، فلزم أن يقال : إن تأثيره في بعض أجزاء البدن أسهل من
__________________
(١) سقط ((ط).
(٢) هذه الحجة والحجة العاشرة في الأصول : مذكورة في نهاية الفصل السابع وموضوعه : الدلائل السمعية على أن النفس غير البدن.
(٣) يكون الأمر : غير (ل).