تأثيره في سائر الأجزاء. ومعلوم أنه ليس كذلك. ولأن تأثيره في الإبصار بالعين ، مثل تأثيره في السماع بالأذن. فثبت : أن تأثير النفس في استعمال جميع الأعضاء بالسوية.
وقد دللنا : على أنه لو كان جسما داخلا في البدن ، لما حصلت هذه التسوية ، فحينئذ يلزم أن لا تكون النفس جسما موجودا في البدن.
فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : النفس جسم مشابك للبدن ، فبعض أجزائه مشابك في العين ، وبعضها في الأذن ، وبعضها في القلب [وبعضها في الدماغ (١)] وبهذا التقدير فيتولى كل جزء من أجزاء النفس ، جزءا من أجزاء البدن. فنقول : هذا باطل من وجوه (٢) :
الأول : إنه على هذا التقدير يكون الإنسان عبارة عن مجموع أجزاء كثيرة متفرقة في أعضاء مختلفة. ونحن قد دللنا في الفصل المتقدم على أن الإنسان يجب أن يكون شيئا واحدا موصوفا بجميع العلوم وبجميع العلوم وبجميع الإدراكات ، وبجميع القدر ، وأن يكون هو بعينه فاعلا لجميع الأفعال. وذلك يبطل هذا الذي ذكرتم.
الوجه الثاني في الجواب : إن بتقدير أن يكون الأمر كما ذكرتم ، إلا أنه يلزم أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء مستقلا بالتصرف في ذلك العضو المخصوص (٣) ولو كان الأمر كذلك ، لوجب أن لا يكون اشتغال بعض تلك الأجزاء بفعله الخاص به ، مانعا للجزء الآخر من فعله الخاص به. ومعلوم : أن هذا حاصل. فإن الإنسان إذا اشتغل بالغضب ، امتنعت الشهوة عليه ، وإذا اشتغل بالشهوة ، امتنع الغضب عليه [وإذا اشتغل بالفكر امتنع كلاهما عليه (٤)].
__________________
(١) من (ل).
(٢) وجهين [الأصل].
(٣) في (طا ، ل) وضع الناسخ عبارات سهوا ومحلها في الفصل الرابع عشر.
(٤) من (م ، ط).