والوجه الثالث في الجواب : إن هذا السؤال إنما يتم لو قلنا : إنه حصل مع كل جزء من أجزاء البدن : جزء من أجزاء النفس. حتى يقال : بأن كل واحد منها يحرك ذلك الجزء من غير احتياج إلى شيء من الآلات ، فحينئذ تكون نسبة النفس إلى جميع الأعمال على السوية. ومعلوم أن ذلك [باطل (١)] وإلا لزم أن تكون جميع الأعضاء متساوية في كونها عضوا واحدا رئيسا ، مستقلا بقبول قوة الحياة. ومعلوم : أنه ليس كذلك. لأن القلب والدماغ أقوى في تعلق النفس بهما من سائر الأعضاء. فثبت بهذه البيانات : أنه لا يجوز أن تكون النفس جسما ساريا في البدن.
وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : النفس جسم مغاير للبدن وغير داخل فيه ، فهذا بعيد عن العقل ، ولم يقل به أحد. ولما بطلت الأقسام الثلاثة بقي القسم الرابع ، وهو أن النفس جوهر مجرد عن الجسمية وعلائقها ، وأن نسبته إلى جميع الأجزاء على السوية ، فلم يكن اشتغاله باستعمال بعض الأجزاء ، أشق عليه من استعمال سائر الأعضاء [وهو المطلوب (٢)].
الحجة العاشرة : لو كانت النفس هذا البدن ، أو عضوا من أعضاء هذا البدن ، لامتنع الحشر والنشر والثواب والعقاب ، ولو كان الأمر كذلك ، لكان الإنسان أخس الحيوانات (٣) ولكان تكوينه وإيجاده عبثا محضا. وهذه اللوازم باطلة ، فكان القول بأن النفس عين هذا البدن ، أو عضو من أعضائه : باطلا. فنفتقر في تقرير هذا الدليل إلى [تقرير(٤)] مقدمات.
المقدمة الأولى : في بيان أن النفس ، لو كانت عبارة عن هذا البدن ، أو عن عضو من أعضائه ، لكان القول بالبعث والقيامة باطلا. فتقريره : إنا نشاهد أن هذا البدن مع جميع أعضائه وأجزائه يتفرق ويتمزق ، ويصير فانيا
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) سقط (م) ، (ط).
(٣) من جميع الموجودات (م).
(٤) سقط (ل).