بالكلية. والشيء إذا فني وعدم فإعادته بعينه بعد فنائه : محال في بديهة العقل. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : الإنسان عبارة عن أجزاء مخصوصة ، فإذا مات الإنسان وتفرقت [تلك الأجزاء (١)] والأعضاء ، فالزائل إنما هو الصفات والأعراض ، وأما تلك الأجزاء فهي بأعيانها باقية. فلا جرم كان ذلك الإنسان باقيا بعينه. فإذا عادت تلك الأعراض إليه ، فإن هذا الإنسان الموجود في هذه الحالة ، هو عين الإنسان الذي كان موجودا قبل ذلك. فنقول: هذا باطل ، لأن بتقدير أن يكون الإنسان عبارة عن جسم مخصوص ، فإنه يمتنع أن يقال : ذلك الإنسان عبارة عن مجرد تلك الأجسام ، لأن تلك الأجسام ، قد كانت موجودة قبل أن تركبت واتصفت بتلك الصفات ، وما كان هذا الإنسان موجودا. وإذا مات ذلك الإنسان بعد حياته ، وتفرقت تلك الأجزاء. فتلك الأجزاء باقية ، مع أن ذلك الإنسان غير باق. فعلمنا : أن بتقدير أن يكون الإنسان جسما ، فإنه لا يكون الإنسان المخصوص عبارة عن مجرد الجسمية ، بل يجب أن يكون عبارة عن جسم موصوف بصفات مخصوصة. وهي : العلم والقدرة والحياة. وإذا كان الإنسان عبارة عن مجموع تلك الذوات مع هذه الصفات ، فعند فناء هذه الصفات ، قد عدم أحد الأجزاء المعتبرة في تحقق هذا الإنسان ، من حيث إنه هذا الإنسان.
ولما ثبت بحكم بديهة العقل : أن إعادة المعدوم : محال ، ثبت : أن عود ذلك العرض الذي هو أحد أجزاء ماهية ذلك الإنسان : محال. فيلزم : أن يكون عود ذلك الإنسان بعينه محالا. فثبت بما ذكرناه : أنه لو كان النفس عبارة عن هذا البدن ، أو عن عضو من أعضاء (٢) هذا البدن لكان القول بالبعث والقيامة : باطلا ، ولكان بقاء النفس بعد موت البدن : باطلا. وهذا برهان قوي في إثبات هذا المطلوب.
وأما بيان المقدمة الثانية : وهي قولنا : لو كان القول بالبعث باطلا ،
__________________
(١) سقط (طا ، ل).
(٢) أعضائه لكان (م).