عليه. ومن كان بلغمي المزاج ، كانت آثاره شبيهة بأحوال السوداء.
ولما ثبت في باب المزاج : أن مراتب الأمزجة مختلفة ، وغير متناهية ، لا جرم كانت مراتب اختلاف النفوس في قوة الإدراك [وقوة الحركة (١)] غير متناهية.
والطائفة الثالثة : زعموا : أن النفس البشرية جنس تحته أنواع مختلفة بالماهية ، وتحت كل نوع أشخاص متساوية بالماهية ، وكل نوع من تلك الأنواع ، فهو كالنتيجة من روح معين من أرواح الكواكب ، فنوع منها حرة كريمة فاضلة ، قوية في الفهم والأفعال الجملية ، ونوع آخر منها نذلة شريرة بليدة. وذلك الروح الكوكبي الذي هو المبدأ لذلك النوع ، هو المسمى في اصطلاحات قدماء الفلاسفة : بالطباع التام. وإنما سموه بهذا الاسم ، لأن المعلول لا بد وأن يكون من جنس العلة. وشبيها بها. فكل صفة وخصلة ، حصلت لذلك النوع المعين من النفوس البشرية ، فهي إنما حصلت بتأثير ذلك الروح الفلكي ، ولا شك أن تلك الخواص والصفات في ذلك الروح الفلكي ، أكمل منها في تلك النفوس. فلهذا السبب سموا تلك الأصول (٢) بالطباع التام. وهذه النفوس كالأولاد لذلك الروح ، وهو كالأب لهذه النفوس. وكما أن الأب له شفقة ومحبة على أولاده ، فكذلك لذلك الروح مزيد معونة في تربية ذلك النوع من النفوس. فإن كان ذلك الطباع التام من الأرواح الفاضلة الكريمة الخيرة العاقلة ، ظهرت تلك الآثار في هذه النفوس. وإن كانت بالضد كان [أحوال تلك النفوس على وفق أحوال ذلك الأب. وأيضا : فتلك النفوس لما كانت (٣)] من نوع واحد ، لا جرم حصل بينها نوع مجانسة ومشاكلة ، وحصل بينها لهذا السبب مزيد محبة ومودة.
ولهذا السبب قد يتفق بين شخصين أجنبيين من المحبة ما لا يزاد عليها.
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) النفوس المسماة بالطباع التام (م).
(٣) سقط (م ، ط).