في أعلى البدن ، فكان القلب أولى [من الدماغ في (١)] أن يكون ملكا للبدن على الإطلاق.
الحجة الثامنة : إن الناس يصفون القلب بالذكاء والبلادة. فيقولون : لفلان قلب ذكي ، ولفلان قلب بليد.
قال «جالينوس» : الناس إذا وصفوا إنسانا بأن له قلبا قويا ، فمرادهم منه الشجاعة، وإذا قالوا : فلان لا قلب له ، فالمراد : «هو الجبن».
والجواب : إن الذي ذكره «جالينوس» يدل على أن القلب مكان للغضب ، ولا يدل على أنه يمتنع أن يكون القلب موضعا للفهم. [والله أعلم (٢)].
ولنذكر هاهنا الآيات والأخبار الدالة على أن موضع الفهم والشعور ، هو القلب.
أما الآيات فكثيرة :
الأولى : قوله تعالى : (قُلْ : مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ، فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) (٣) وقال في سورة الشعراء : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ) (٤) فهاتان الآيتان تدلان بصريحهما على أن التنزيل والوحي كان على القلب.
الحجة الثانية : قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى ، لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ، أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٥) وهذه الآية دالة بصريحها على أن أن محل الذكر والفهم هو القلب واعلم : أن في هذه الآية لطيفة عجيبة ، وبيانها : إنما يتم
__________________
(١) من (م).
(٢) سقط (م) ، (ط).
(٣) البقرة ٩٧.
(٤) الشعراء ١٩٢ ـ ١٩٤.
(٥) ق ٣٧.