بتقديم (١) سؤال. فإنه يقال : إن الواو العاطفة أليق بقوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) لأن القلب عبارة عن محل إدراك الحقائق ، وإلقاء السمع عبارة عن الجد والاجتهاد في تحصيل تلك الإدراكات والمعارف ، ومعلوم : أنه لا بد من الأمرين معا ، فكان ذكر «الواو» العاطفة هاهنا ، [أولى (٢) من ذكر «أو».
والجواب : إنا نقول : بل «أو» القاسمة أولى هاهنا من «الواو» العاطفة ، وبيانه: أن القوى العقلية قسمان : منها ما يكون في غاية الكمال [والشرف (٣)] والإشراق ، ويكون مخالفا لسائر القوى العقلية بالكم والكيف. أما الكم فلأن حصول المقدمات البديهية والحسية والتجريبية بها أكثر ، وأما الكيف فلأن تركيب تلك المقدمات على وجه ينساق إلى تلك النتائج الحقة ، أسهل وأسرع.
إذا عرفت هذا ، فنقول : مثل هذه النفس القدسية تستغني في معرفة حقائق الأشياء عن التعلم والاستعانة بالغير ، إلا أن مثل هذا يكون في غاية الندرة.
وأما القسم الثاني : وهو الذي لا يكون كذلك ، فهو يحتاج في اكتساب العلوم النظرية إلى التعلم ، والاستعانة بالغير ، والتمسك بالقانون الصناعي الذي يعصمه عن الزلل.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) : إشارة إلى القسم الأول ، وإنما ذكر القلب بلفظ التنكير ليدل ذلك على الكمال التام ، بدليل قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى
__________________
(١) بتقديم مقدمة وهو الواو وأن القاطعة التي بقوله : (أَوْ أَلْقَى ...) الخ (م) وفي تفسير القرطبي : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي عقل يتدبر به. فكنى بالقلب عن العقل ، لأنه موضعه ، قال معناه : مجاهد وغيره. وقيل : لمن كان له حياة ونفس مميزة. فعبر عن النفس الحية بالقلب ، لأنه وطنها ومعدن حياتها (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي: استمع القرآن (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي قلبه حاضر فيما يسمع» واعلم : أن الآيات التي ذكرها المؤلف لبيان غرضه. لها أكثر من تأويل. في كتب المفسرين. وعلى ذلك فلا يكون رأيه بها قاطعا.
(٢) سقط (طا).
(٣) من (م).