حَياةٍ) (١) أي حياة عظيمة طويلة المدة ، فكذا هاهنا قوله : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي لمن كان له قلب كامل في قوة الإدراك ، عظيم الدرجة في الاستعداد والوقوف على عالم القدس. وأما قوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) : فهو إشارة إلى القسم الثاني ، وهو الذي يفتقر إلى الكسب والاستعانة بالغير ، وهذا من الأسرار التي عليها بناء علم المنطق. وقد لاح في درج هذه [الآية (٢)] ولما كان القسم الأول نادرا جدا ، وكان الغالب هو القسم الثاني ، لا جرم أمر الكلّ في أكثر الآيات بالطلب والاكتساب فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها ، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (٣).
وقال صاحب المنطق : إن القسم الأول ، وإن كان غنيا عن الاستعانة بالمنطق ، إلا أنه نادر جدا ، والغلبة للقسم الثاني ، وكلهم محتاجون إلى المنطق. فانظر إلى هذه الأسرار العميقة ، كيف تجدها في الألفاظ القرآنية.
الحجة الثالثة : الآيات الدالة على أن استحقاق الجزاء ليس إلا على ما في القلب من السعي. قال الله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ، وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٤) وقال : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها ، وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) (٥) ثم بين في آية أخرى : أن محل التقوى ما هو؟ فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) (٦).
الحجة الرابعة : قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ ، كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٧) ومعلوم : أن السمع والبصر ، لا فائدة فيهما إلّا بما يؤديانه إلى القلب ، فكان السؤال عنهما في الحقيقة : سؤالا عن القلب.
__________________
(١) البقرة ٩٦.
(٢) من (م).
(٣) الحج ٤٦.
(٤) البقرة ٢٢٥.
(٥) الحج ٣٧.
(٦) الحجرات ٣.
(٧) الإسراء ٣٦.