مستغرقين في نور جلال الله تعالى ، استغراقا تاما ، بحيث لا يتفرغون مع ذلك الاستغراق ، لتدبير عالم الأجسام ، فطعامهم التوحيد ، وشرابهم التقديس ، وأنفسهم التنزيه. استغرقوا في نور جلال الله تعالى ، ولم يتفرغوا إلى شيء سوى الله تعالى. وهؤلاء هم الملائكة المقربون.
وقد عبر الكتاب الإلهي عن هذه المرتبة بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ، لا يَفْتُرُونَ) (١).
ثم إن لهذا القسم من الروحانيات : درجات لا نهاية لها في الكمال والنقصان وذلك لأن أنوار جلال الله سبحانه وتعالى ، غير متناهية. فدرجات العارفين في العرفان أيضا : غير متناهية. ثم إنه لما كان لا صفة لهذا القسم من الروحانيات ، إلا الاستغراق في المعارف الإلهية ، والفناء في تلك الجلالة الصمدية ، لا جرم سمى الحكماء الإلهيون هذا القسم من الأرواح : بالعقول المحضة ، لأنها [وإن كانت جواهر قائمة بأنفسها ، إلا أنها (٢)] لكثرة تعقلاتها ، وقوة معارفها ، صاروا كأنهم [عين (٣)] تلك التعقلات ، ونفس تلك الإدراكات.
فإن قال قائل : فعلى ما تقولونه أنتم ، لم يبق لهذا القسم من الروحانيات ، إلا قبول الوجود عن الحق ، وقبول الأضواء القدسية عن إشراق جلال الحق ، وكل ذلك انفعال وتأثر ، فأين التأثير والفعل؟ فنقول في الجواب : إنها وإن كانت مستغرقة في تلك التعقلات الإلهية ، والتعقلات القدسية ، إلا أنه لا يبعد أن يفيض عنها : آثار عظيمة ، إما على الأرواح الفلكية ، أو على الأجرام الفلكية (٤) فيضان النور عن الشمس ، والحياة عن
__________________
(١) الأنبياء (١٩ ـ ٢٠) ، والنص كامل في (طا).
(٢) سقط (طا) ، (ل).
(٣) من (م ، ط).
(٤) الفلكية ، ففاض عنها الانوار ، فيضان ... إلخ (م ، ط).