وقوتها عند الدماغ. وقد بينا أن هذا القدر (١) لا يدل على كون الدماغ منبتا للأعصاب.
وأما الجواب الثاني : فضعيف أيضا. لأن «جالينوس» استدل بغلظ العصب وكثرته عند الدماغ ، على أن المنبت هو الدماغ. وأصحاب «أرسطاطاليس» قالوا : هذا الوجه الثاني الذي ذكره (٢) إن دل على قوله (٣) فكون الدماغ في غاية اللين وكون العصب في غاية القوة ، يمنع من كون الدماغ ، منبتا للعصب ، ولما حصل التعارض فيه سقط كلام جالينوس» فهذا تمام الكلام في أن منبت العصب هو القلب أو الدماغ.
أما المقام الثاني في الجواب عن شبهة «جالينوس» : فهو أن نقول : سلمنا أن الدماغ هو المنبت للعصب ، الذي هو آلة للقوة الحساسة ، والحركة الإرادية. فلم قلتم : إنه يلزم من هذا المعنى كون الدماغ ، معدنا لقوة الحس والحركة؟.
بيانه : أنه لا يبعد أن تكون قوة الحس والحركة ، متولدة في القلب. إلا أن الدماغ يرسل إليه آلة ثابتة منه إلى القلب ، فيستفيد بتلك الآلة قوة الحس والحركة من القلب. وإذا كان هذا الاحتمال قائما ، فقد سقطت الحجة التي ذكرها «جالينوس» [والله أعلم (٤)].
الحجة الثانية ل «جالينوس» على فساد القول بأن معدن القوة المدركة هو القلب إنه لو كانت قوة الحس والحركة تنفذ من القلب إلى الدماغ ، لكنا إذا شددنا العصب بخيط شدا قويا ، وجب أن تبقى قوة الحس والحركة في الجانب الذي يلي القلب ، وأن تبطل من الجانب الذي يلي الدماغ ، لكن الأمر بالضد منه. فعلمنا : أن قوة الحس والحركة تجري من الدماغ إلى القلب ، ولا تجري
__________________
(١) القول (م).
(٢) ذكرتم (م).
(٣) قولكم بكون (م).
(٤) سقط (م) ، (ط).