من القلب إلى الدماغ. وهذه الحجة أحسن من الحجة الأولى ، ولا نحتاج فيها إلى المقدمات الكثيرة المذكورة في الحجة الأولى.
والجواب : لم لا يجوز أن يقال : الروح القلبي يكون في غاية الحرارة. فإذا كان بينه وبين الدماغ منفذ مفتوح ، وصل تبريد الدماغ إلى القلب ، فاعتدل واستعد لقبول قوة الحس والحركة. فأما إذا انسد ذلك المسلك ، انقطع عن القلب أثر الدماغ ، فلا جرم لم يبق مستعدا لقبول قوة الحس والحركة ، فبطلت هذه القوة من الجانب الذي يلي القلب؟
الحجة الثالثة ل «جالينوس» : إن الحكماء والأطباء اتفقوا على أن الحامل لقوة الحس والحركة : جسم لطيف نافذ في الأعضاء (١) وهو الروح. وإذا كان كذلك ، فالدماغ أن يكون مبدأ لهذه الروح ، أولى من القلب. وذلك لأنا نجد في الدماغ مواضع خالية ، وتلك المواضع الخالية تصلح لأن تتولد فيها تلك الأرواح ، وأما القلب فليس كذلك ، لأن التجويف الأيمن منه مملوء من الدم. وإنما الشبهة في التجويف الأيسر ، فإنه يعتقد أنه مملوء من الروح.
قال «جالينوس» : وليس الأمر كذلك فإن القلب إذا كشف عنه وأبرز من غير أن تثقب وتخرق أغشيته ، لم يمت الحيوان بهذا السبب ، بل قد يلبث مدة طويلة ، تلمسه بيدك، وتنظر إليه بعينك ، وهو مكشوف ، فتعرف كيف أن نبضه في هذه الحالة ، يساوي نبضه قبل أن تكشف عنه ، ولكن بشرط أن يقع هذا التشريح في موضع ، لا يكون هواؤه باردا ، لئلا يتبرد القلب. فإنه لو برد لصار النبض ضعيفا بطيئا متفاوتا.
إذا عرفت هذا فنقول : إنا إذا غرزنا إبرة في غشاء هذا التجويف الأيسر ، سال في الحال منه : دم ، ولو كان هذا التجويف [مملوءا من الروح ، لوجب أن لا يسيل منه الدم البتة ، ولو كان هذا التجويف (٢) في بعضه روح ، وفي بعضه دم ، لوجب أن أن تخرج الروح أولا ، ثم يسيل الدم بعده. وعلى
__________________
(١) الأعصاب (م).
(٢) سقط (م).