هذا التقدير ، فكان يجب أن لا يسيل الدم في الحال ، ولما سال في الحال ، علمنا : أن التجويف الأيسر مملوء من الدم. وأيضا : الحيوان الذي مات تجد في التجويف الأيسر من تجويفي قلبه : علق الدم وأما الدماغ فإن جرمه مزرد ، فلا يمتنع أن يحصل في تلك الغضون(١) أجزاء الروح.
والجواب : إن هذه الحجة في غاية الضعف لأنها إن صحت ، فهي تدل على أنه ليس في القلب روح أصلا ، و «جالينوس» لا ينازع في كون القلب معدنا للأرواح الحيوانية، ويسلم أن الروح الدماغي هو الذي صعد من القلب إلى الدماغ ، وصار هناك روحا حاملا لقوة الحس والحركة.
الحجة الرابعة ل «جالينوس» : إن العقل أشرف القوى ، فوجب أن يكون مكانه أشرف الأمكنة. وأشرف الأمكنة أعلاها ، فوجب أن يكون مكان العقل هو الدماغ ، وهو بمنزلة الملك العظيم الذي يسكن القصر الأعلى. وأيضا : الحواس محيطة بالرأس ، كأنها خدم الدماغ ، وواقفة حوله على مراتبها اللائقة بها. وأيضا محل الرأس من البدن محل (٢) السماء من العالم ، فكما أن السماء منزل الروحانيات. فكذلك الدماغ ، وجب أن يكون منزل العقل ، الذي هو روحاني هذا البدن.
والجواب : إن ما ذكرناه من الدلائل اليقينية ، لا يعارضها هذه الإقناعيات. ثم إنا قد ذكرنا لنصرة ذلك القول وجوها إقناعية أقوى من هذا الوجه [وهذا آخر الكلام في هذا المطلب (٣)].
__________________
(١) العصوب (ط).
(٢) مكان (م).
(٣) سقط (ل).