الروح ، وبهذا التقدير تكون فعالة. وأيضا : فلا يبعد أن يقال : إن تلك العقول ، يكون بعضها أدنى حالا من البعض ، فيستكمل الناقص منها بالكامل ، كما أن الشمس والقمر ، وإن كانا في العالم الجسماني جوهرين علويين شريفين ، إلا أن القمر ، لما كان أضعف حالا من الشمس لا جرم صار يقبل النور عن الشمس. ثم إنه بعد قبول النور عن الشمس ، يصير فياضا ، لتلك الأنوار على العالم السفلي ، فلا يبعد أن يكون حال الروحانيات كذلك.
وأما القسم الثاني من أقسام الأرواح : فهم الذين التفتوا إلى تدبير عالم الأجسام. وما بالغوا في الاستغراق في خدمة الجانب الأعلى إلى حيث يمنعهم عن التعلق بالجانب الأسفل ، وهؤلاء هم الملائكة العملية. وفي مصطلحات الفلاسفة هم المسمون بالنفوس.
ثم إن هذا القسم متفاوتون أيضا في درجات الشرف والكمال. فكل من كان تعلقه بجسم أشرف وأعلى ، كان هو في ذاته أشرف (١) وأعلى. ولما كان أعظم الأجسام هو العرش ، لا جرم كان أعظم الأرواح المتعلقة بعالم الأجسام هو الروح المتصرف في العرش ، ولا يبعد أن يكون المسمى بالروح الأعظم هو ذلك الروح ، وهو المسمى أيضا : بالنفس الكلية في مصطلحات الفلاسفة ، لأن تلك النفس بدنها العرش (٢) ، وكل ما حصل في داخل العرش ، فكأنه جزء من أجزائه ، وشعبة من شعبه. وكذلك النفوس المدبرة لتلك الأجسام تكون شعبة من شعب تلك النفس ، ونتيجة من نتائجها.
ثم المرتبة الثانية من مراتب النفوس : النفس المدبرة للكرسي ، كما قال في الكتاب الإلهي : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)؟ إلى قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٣) والسبب في تسمية الفلك الثامن بالكرسي : أن الكرسي جسم حصل فيه درجات متفاوتة بالدنو والعلو ، لأن
__________________
(١) أعلى وأبهى (طا) ، (ل).
(٢) بنفس الكل (ل).
(٣) البقرة ٢٥٥.