فلا نسلم ، لأنها لما كانت موصوفة بالحياة ، وجب أن يحصل لها إدراك وشعور ببعض الأشياء ، ولعلها تلتذ بذلك القدر من الإدراك ، وحينئذ لا تكون معطلة. ألا ترى أنا نجد البق والبعوض وحيوانات أخرى أصغر منها بكثير موجودة. ولا نقول : بأنها لما قلت انتفاعاتها ولذاتها ، كانت معطلة. بل نقول : إنها لما فازت بذلك القدر الحقير من الخير والمنفعة ، خرجت عن أن تكون معطلة. فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك؟
الاعتراض الثاني : لم لا يجوز أن يقال : إنها قبل الأبدان ، كانت متعلقة بجزء معين من السموات ، أو بجزء من أجزاء العناصر ، كانت تنال الخيرات واللذات بسبب تلك الآلات؟.
الاعتراض الثالث : أليس من مذهبكم : أن نفوس الأجنة ، إذا فارقت أبدانها ، فإنها تبقى أبد الآباد من غير أن يحصل لها لذة وخير ومنفعة؟ وذلك يبطل قولكم : إنه لا معطل في الطبيعة.
الاعتراض الرابع : سلمنا أن تلك النفوس كانت معطلة. فلم قلتم : إنه لا معطل في الطبيعة؟ فإن هذه المقدمة ذكروها ، وما رأيت أحدا منهم قوّاها بشبهة ، فضلا عن حجة.
واعلم : أنه لم يصل إلينا كلام آخر في إثبات حدوث النفوس البشرية. ويمكن ذكر دليلين آخرين فيه ، إلا أنهما يوجبان القول. بحدوث الأجسام.
الوجه الأول : أن نقول : لا شك أن هذه النفوس قابلة للصفات الحادثة ، فإنها تصير عالمة بأشياء ، بعد ما أنها ما كانت عالمة بها ، وتصير موصوفة [بأخلاق ، بعد أنها ما كانت موصوفة (١)] بها. إذا ثبت هذا فنقول : إن قابلية الصفات الحادثة ، يجب أن يكون من لوازم ذواتها. وقابلية الصفات الحادثة حادثة ، فيلزم أن يقال : إنها لا تخلو عن الحوادث ، وكل ما لا يخلو عن
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).