والثاني : إن كل جسم فهو مركب من [جزءين ، فصاعدا (١)] وكل مركب فإنه يحتاج إلى كل واحد من أجزائه ، والجوهر المجرد لا يجب أن يكون منقسما إلى جزءين. فكان هذا النوع من الحاجة زائلا عن الجوهر المجرد.
الثالث : إن النفس تفعل في البدن. أما البدن فإنه لا يفعل البتة في النفس أثرا. والفعل يناسب القوة ، والانفعال يناسب الضعف.
الرابع : إن الأجسام متماثلة في ذواتها ، وفي تمام ماهياتها. وإذا كان الأمر كذلك ، امتنع أن يكون لها أثر في الغير. فإن أثّر جسم (٢) في جسم فذلك التأثير إنما كان لأجل الأعراض القائمة به. وقد عرفت : أن أضعف المراتب هو الأعراض ، فلما كان تأثير الجسم في غيره بواسطة الأعراض ، وجب أن يكون تأثير الجسم في غيره تأثيرا ضعيفا. وأما تأثيرات النفوس ، فهي تأثيرات قوية ، قاهرة فوجب أن تكون النفس أقوى من الجسم.
الخامس : إن البدن بعد مفارقة النفس ، بقي ما فيه من الجسم وما فيه من العرض. ثم إنه يصير بعد الموت فاسدا باطلا عفنا. وأما حال تعلق النفس بالبدن ، فإنه بقيت تلك الأجزاء مصونة عن العفونة والفساد ، موصوفة بالنقاء والنظافة والطهارة. فثبت بما ذكرناه : أن النفس أقوى حالا من الجسم ، وأن الجسم أقوى حالا من العرض. وهذا يدل على أنه لا مناسبة لقوة النفس إلى قوة العرض الحال في الجسم بوجه من الوجوه.
المقدمة الثالثة وهي في بيان أن هذا الاعتبار يدل على أن النفس لا تموت بموت البدن: والدليل عليه : إن موت البدن ليس عبارة عن فناء تلك الأجسام ، فإنها باقية بتمامها ، وإنما موت البدن عبارة عن زوال الأعراض التي كانت قائمة به [حال اعتدال المزاج قبل موتها (٣)] وفنائها. والمزاج المعتدل عبارة عن كيفية
__________________
(١) من الهيولى والصورة (م).
(٢) الجسم (م).
(٣) سقط (ط).